زائر زائر
| موضوع: هل أجمع العلماء على نجاسة المذي ؟ الخميس أبريل 04, 2013 6:06 am | |
| هل أجمع العلماء على نجاسة المذي ؟
السؤال
[color=red]سمعت عن وجود اختلاف بين الأئمة في حكم طهارة المني : حيث ذهب الشافعية والحنابلة إلى طهارة المني ، بينما ذهب المالكية والحنفية إلى نجاسة المني . وسمعت عن وجود رواية للإمام أحمد تفيد بطهارة المذي ، والجمهور أفتوا بنجاسة المذي . سؤالي : المني ، وهو السائل المتدفق عند الوصول للنشوة ، هو حقيقة : خليط من المني والمذي؛ فكيف نجمع بين قول من قال بطهارة المني ، ونجاسة المذي ؟ وهل يوجد فعلا رواية للإمام أحمد ، أفتى فيها بطهارة المذي ؟ وفي حال كان فيه فعلا رواية للإمام أحمد بطهارة المذي ، هل أتبع فتواه في حال كنت أرى أن فتواه هي الأصح ؟ [/color
الجواب : الحمد لله أولا : " ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْمَنِيَّ نَجِسٌ ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ : فَقَال الْحَنَفِيَّةُ : إِنَّ الْمَنِيَّ نَجِسٌ سَوَاءٌ مِنَ الإْنْسَانِ أَوْ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ كُلِّهَا . وَقَال الْمَالِكِيَّةُ : الْمَنِيُّ نَجِسٌ إِذَا كَانَ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ مِنْ حَيَوَانٍ مُحَرَّمِ الأْكْل بِغَيْرِ خِلاَفٍ ، أَمَّا مَنِيُّ مُبَاحِ الأْكْل فَفِيهِ خِلاَفٌ : فَقِيل بِطَهَارَتِهِ وَقِيل بِنَجَاسَتِهِ لِلاِسْتِقْذَارِ وَالاِسْتِحَالَةِ إِلَى فَسَادٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ . وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ : إِنَّ مَنِيَّ الإْنْسَانِ طَاهِرٌ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنَ الذَّكَرِ أَمِ الأْنْثَى" انتهى من "الموسوعة الفقهية" (39 /140) .
والراجح أن المني طاهر ، إلا أنه يوجب الغسل
ثانيا : قول السائل : إن المني خليط من المني والمذي ، قول غير صحيح ، ولا دليل عليه ، ولا يصح وصف أحد الموصوفين المتغايرين ، صفة وحكما ، بأنه خليط منه ومن الآخر . والحكم على الأعيان بالطهارة أو النجاسة مرده إلى الدليل الشرعي ، وليس إلى النظر والاستحسان . قال ابن القيم رحمه الله : " قال مدعي النجاسة - يعني نجاسة المني - : المذي مبدأ المني وقد دل الشرع على نجاسته حيث أمر بغسل الذكر وما أصابه منه ، وإذا كان مبدؤه نجسا فكيف بنهايته ؟ قال المُطَهِّر - يعني القائل بطهارة المني - : هذا دعوى لا دليل عليها ؛ ومن أين لك أن المذي مبدأ المني ، وهما حقيقتان مختلفتان في الماهية والصفات والعوارض والرائحة والطبيعة ؟ فدعواك أن المذي مبدأ المني ، وأنه مني لم يستحكم طبخه : دعوى مجردة عن دليل نقلي وعقلي وحسي ؛ فلا تكون مقبولة . ثم لو سلمت لك لم يفدك شيئا البتة ؛ فإن للمبادىء أحكاما تخالفها أحكام الثواني ، فهذا الدم مبدأ اللبن ، وحكمهما مختلف . بل هذا المني نفسه مبدأ الآدمي طاهر العين ، ومبدؤه عندك نجس العين ؟! فهذا من أظهر ما يفسد دليلك ويوضح تناقضك ، وهذا مما لا حيلة في دفعه ؛ فإن المني لو كان نجس العين لم يكن الآدمي طاهرا ، لأن النجاسة عندك لا تطهر بالاستحالة ، فلا بد من نقض أحد أصليك ؛ فإما أن تقول بطهارة المني ، أو تقول النجاسة تطهر بالاستحالة ، وأما أن تقول المني نجس ، والنجاسة لا تطهر بالاستحالة ، ثم تقول بعد ذلك بطهارة الآدمي ، فتناقض مالنا إلا النكير له " . انتهى من "بدائع الفوائد" (3 /639) .
ثالثا : حكى أصحاب الإمام أحمد رحمهم الله عنه رواية بطهارة المذي . قال ابن قدامة رحمه الله : " وروي عن أحمد رحمه الله أنه بمنزلة المني ، قال في رواية محمد بن الحكم : إنه سأل أبا عبد الله عن المذي أشد أو المني ؟ قال : هما سواء ، ليسا من مخرج البول ، إنما هما من الصلب والترائب ؛ كما قال ابن عباس : هو عندي بمنزل البصاق والمخاط ، وذكر ابن عقيل نحو هذا ، وعلل بأن المذي جزء من المني لأن سببهما جميعا الشهوة ، ولأنه : خارج ، تحلِّله الشهوة ، أشبه المني " . انتهى من "المغني" (1 /767) .
وقال ابن مفلح رحمه الله : " وعنه: طاهر كالمني ، اختاره أبو الخطاب في خلافه ، لأنه خارج بسبب الشهوة ". انتهى من "المبدع" (1 /202) . وقال ابن رجب رحمه الله : " وعن أحمد رواية : أن المذي طاهر كالمني ، وهي اختيار أبي حفص البرمكي من أصحابنا ، أوجب مع ذلك نضحه ، تعبدا " . انتهى من "فتح الباري" ـ لابن رجب (1 /306) . وينظر : " الإنصاف " ، للمرداوي (1/312) ، "شرح العمدة" ، لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/104-105) .
غير أنه لا يصح لطالب العلم ، أو طالب الحق ، أن يعتمد على مجرد رواية سمع بها ، كهذه الرواية ، أو قول ذكر له ، فيقول : إن المذي طاهر غير نجس ؛ وليس لأحد أن يترخص في الدين بالتشهي والهوى ، واتباع الأيسر من الأقوال ، حتى وإن خالف ظاهر الدليل ، أو قول الأكثر من العلماء ؛ وإنما يحل الاختيار والنظر لمن كان أهلا لذلك ، قد حصل ملكة الاجتهاد والاختيار والترجيح بين المذاهب والأقوال والروايات . وأما العامي ومن في حكمه : فإنما يتبع مذهب من يستفتيه في دينه ، إن يستفتي ويسأل ، أو مذهبه الذي التزمه ، إن كان قد التزم مذهبا معينا من المذاهب المعتبرة المتبوعة .
هذا ، مع أن صحيح من مذهب الإمام أحمد أن المذي نجس . قال المرداوي رحمه الله : " أفادنا المصنف رحمه الله تعالى : أن المذي نجس ؛ وهو صحيح ، فيغسل كبقية النجاسات ، على الصحيح من المذهب ، وعليه الجمهور " انتهى من "الإنصاف" (1/312) .
رابعا : قد حكى الإجماع على نجاسة المذي غير واحد من أهل العلم ، فقال ابن قدامة رحمه الله : " يعني ما خرج من السبيلين ، كالبول والغائط والمذي والودي والدم وغيره : فهذا لا نعلم في نجاسته خلافا ، إلا أشياء يسيرة نذكرها إن شاء الله تعالى" . انتهى من "المغني" (1 /767) . وقال ابن عبد البر رحمه الله : " ولم يختلف العلماء فيما عدا المني ، من كل ما يخرج من الذكر : أنه نجس " . انتهى من "الاستذكار" (1 /286) . وقال البغوي رحمه الله : " واتفقوا على نجاسة المذي والودي كالدم " . انتهى من "شرح السنة" (2 /90) . وقال الكشميري رحمه الله : " المذي نجس إجماعاً " . انتهى من "العرف الشذي" (1 /144) . وقال الشوكاني رحمه الله : " واتفق العلماء على أن المذي نجس ، ولم يخالف في ذلك إلا بعض الإمامية " . "نيل الأوطار" (1/63) .
وأما الرواية المذكورة عن الإمام أحمد رحمه الله ، فقد إن قوله قد استقر على : نجاسة المذي ، كما هو الصحيح من مذهبه . قال ابن الجوزي رحمه الله : " وكان أبو بكر الخلال من أصحابنا يقول : استقر قول أحمد أنه كالبول " . انتهى من "كشف المشكل" (ص 125) . وسواء قلنا بذلك ، وأن الإجماع ثابت ، وأحمد قد رجع عن قوله . أو قلنا : إن الخلاف في المسألة مستقر ، وأنه لا إجماع فيها ؛ فيكفي الطالب أنه قول عامة أهل العلم ، وجماهيرهم ، وهو الموافق لظاهر الدليل ؛ فما الموجب له أن يترك ذلك كله ، ثم يأخذ برواية سمع بها ، وقد ذكرنا شأنها في مذهب صاحبها ؟!
والله تعالى أعلم . |
|