الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فإن الله –تبارك وتعالى- بعث محمدًا بالهدى والحق ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
وأمر هذه الأمة بطاعة هذا الرسول واتباعه والتمسك بما جاء به من العلم والهدى, فإذا قلنا للناس أحرصوا على المنهج السلفي فإنما نأمرهم بالتمسك بكتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما كان عليه رسول الله وأصحابه.
هذا هو المنهج السلفي التمسك بكتاب الله وبسنة رسول الله وبما كان عليه رسول الله وصحابته الكرام, المنهج السلفي يتميز بأنه الحق وأنه الهدى, ويتميز أهله أنهم يتمسكون بهذا الحق والهدى الذي كان عليه رسول الله وصحابته.
ولهذا لما أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن هذه الأمة ستتفرق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ((مَن كَان على مَا أَنَا عَلَيهِ وَأصحَابِي))
هذا هو الميزان الذي يفرق بين الحق والباطل والهدى والضلال, وبين أهل الهدى وأهل الضلال, فثنتان وسبعون فرقة حادث عن هذا المنهج, فكان مآلهم النار والعياذ بالله, ولهذا قال رسول الله: ((كلها في النار إلا واحدة)), وبينها –عليه الصلاة والسلام- في قوله: ((مَن كَان على مَا أَنَا عَلَيهِ وَأصحَابِي))
الطرق التي يسلكها أهل الضلال إذن غيرُ الطريق الذي كان عليه رسول الله وأصحابه وهم السلف, غيَّروا السبيل الذي كان عليه رسول الله وصحابته ومن اتبعهم بإحسان.
ولهذا لما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله –تبارك وتعالى-: ﴿ وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام:١٥٣] فَخَطَّ خَطًّا مُستَقِيمًا وقال: ((هذا سبيل الله)), ثُمَّ خَطَّ عن يَسَارِه وَعَن يَمِينِهِ خُطُوطًا وَقَالَ: ((هَذِهِ سُبُل على كُلِّ سَبِيلٍ مِنهَا شَيطَانٌ يَدعُو إِلِيهَا)) ([1])
هو الداعي إليه رسول الله والداعي إليه كتاب الله والداعي إليه من تابعهم بإحسان إلى يوم الدين, والطرق الأخرى الدعاة إليها ﴿شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ﴾[الأنعام: ١١٢]
فليحمد الله من وُفَّق لفهم المنهج السلفي والالتزام به, فإن هذه من أعظم نعم الله -تبارك وتعالى-, ولهذا كان السلف يحمدون الله –تبارك وتعالى- على ما أنعم عليهم من اتباع السنة بعد الإسلام, فاتباع السنة أمر عظيم فيه النجاة من الهلاك الماحق الذي ينزل بمن يشذ من أهل الضلال عن هذا الصراط المستقيم ويسلك سبل الضلال.
لهذا نحن نحث الشباب في كل مكان أن يحرصوا على دراسة المنهج السلفي وأخذ العلوم من هذا المنبع الأصيل الذي هو منبع المنهج السلفي كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وأن يحذروا كل الحذر من سبل الضلال التي تؤدي بأهلها إلى النار, المناهج كلها نسميها الآن مناهج نارية تؤدي بأهلها إلى النار, مناهج الضلال والضياع تؤدي إلى الخسران والعياذ بالله, والمنهج هذا الذي هو صراط الله –تبارك وتعالى- المستقيم هو سبيل النجاة المفضي إلى الجنة ولا طريق إلى الجنة سواه, فالطرق كلها إلى النار ولو كثرت, ولهذا صرح الرسول بأنها ثلاث وسبعين فرقة فهي الخطوط التي أشار إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فليحرص المؤمن الذي يريد النجاة لنفسه أن يسلك هذا الطريق, وسلوك هذا الطريق إنما هو بتعلم كتاب الله وسنة رسول الله, حفظ نصوصهما والتفقه فيهما كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن يُرد اللهُ بِهِ خَيرًا يُفَقِّههُ في الدِّين)) ([2]) فاتباع المنهاج السلفي يقتضي منا أن نتفقه في الدين, وهذا التفقه علامة بارزة واضحة على أن الله أراد بهذا المسلم خيرًا.
الذي يتفقه في دين الله في عقائده ومناهجه وأحكامه هو من يأخذها من كتاب الله ومن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, العقيدة والمنهج والعمل الشامل الذي هدى إليه كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلها تؤخذ من الكتاب والسنة, والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((احرِص عَلَى مَا يَنفَعُكَ واستَعِن بِاللهِ وَلَا تَعجَز)) ([3])
الحرص على الأمر النافع أمر يحمده الإسلام ويحث عليه, ومن هنا ذكر الرسول –عليه الصلاة والسلام- في حديث العرباض بن سارية أن من يعش فسيرى اختلافًا كثيرًا, كما قال –عليه الصلاة والسلام-: ((فَإِنَّهُ مَن يِعِش مِنكُمِ بَعدِي فَسَيَرَى اختِلَافًا كَثِيرًا, فَعَلَيكُم بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّشِدِينَ المَهدِيِّيِنَ, تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَليهَا بِالنَّوَاجِذِ, وَإِيَّاكُم وَمُحدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحدَثَةٍ بِدعَةٌ وَكُلُّ بِدعَةٍ ضَلالَةٌ)) ([4])
قال هذا بعد الأمر بتقوى الله, والطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين, حذرهم وأخبرهم أن هذه الأمة ستفترق وستكثر الاختلافات بينهم, ودَّلهم على طريق النجاة الذي يسلم به من الضياع والضلال.
فدلهم على ما كان –عليه الصلاة والسلام- من سنته وما كان عليه صحابته الكرام الذين يقودهم الخلفاء الراشدون وكلهم في طريق واحد, فهذا طريق النجاة وهذا هو الحل من الضياع والحيرة والبلبلة التي تحدثها الفتن التي تنشأ عن هذه الاختلافات والصراعات, ((فَعَلَيكُم بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّشِدِينَ المَهدِيِّيِنَ)).
هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي هداه ربه ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ١٦١]
فالله هداه إلى الصراط المستقيم, فجاء بالهدى ودين الحق فشهد لخلفائه بأنهم راشدون, الخلفاء الراشدون معروفون والصحابة الكرام كلهم راشدون إن شاء الله ومهديون, لهذا لا يُعرف لأحد منهم بدعة ولا يُعرف عن أحد منهم كذبة, وهذا نهاية السداد والرشاد.
وكما قال الله –تبارك وتعالى-: ﴿لَـٰكِنَّ اللَّـهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَـٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ [الحجرات: ٧] وصفهم الله بأنهم راشدون, لأن الله حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم ما يضاده أو يضاد كماله من الكفر والفسوق والعصيان, ثم شهد لهم بأنهم راشدون, فالخلفاء على رأسهم.
وفي الحديث نص على الخلفاء الراشدين المهديين وصفهم بالرشاد ووصفهم بالاهتداء –رضوان الله عليهم-, فمن أراد النجاة بنفسه من مصير أهل الضلال الذين تفرقت بهم السبل عن سبيل الله فعليه بالتمسك بهدي رسول الله وخلفائه الراشدين, هذا هو المنهج الذي هو طريق النجاة وطريق السلامة من المعارك والمعاطب في الدنيا والآخرة.
والله يقول: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: ١١٥]
انظروا كيف تتفق النصوص القرآنية والنصوص النبوية; لأن الجميع من مشكاة واحدة هو الوحي من رب العالمين, فما أجمل هذا الطريق وما أعظمه وما أفضله, فعليكم به فعضوا عليه بالنواجذ كما قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: ((فَعَلَيكُم بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّشِدِينَ المَهدِيِّيِنَ, تَمَسَّكوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذِ)) ([5]); لأن الشيء الثمين الغالي عند العقلاء يمسكه العاقل بيديه, وإن ضعفت يداه ساعدهما بأن يعض على ذلك الشيء الثمين بالنواجذ.
وهذا حثٌّ على الحرص الشديد على الحق والهدى الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-, وإن فيه العصمة من الهلاك الذي يواجه هؤلاء المتشتتين المختلفين; لأنهم لم يتبعوا الرشاد والهدى وإنما اتبعوا الغي والضلال, وضد الرشد الغي وضد الهدى هو الضلال.
فالذي يتمسك بسنة الرسول –عليه الصلاة والسلام- وسنة الخلفاء الراشدين تمسك بالرشد والهدى, ومن حاد عنهما وقع في ميادين الضلال والغي والعياذ بالله, وهي البدع وقد يكون كفرًا وقد يكون نفاقًا.
الذي يحيد عن منهج الله لا يسلم من النفاق ولا يسلم من الغي والضلال والعياذ بالله لأنه تابع لدعوات الشياطين التي قال عنها رسول الله: ((عَلى كُلِّ سَبِيلٍ مِنهَا شَيطَانٌ)) ([6]).
وقال في حديث آخر يصف هؤلاء بأنهم ((دُعَاةٌ على أَبوَابِ جَهَنَّمَ مَن أَجَابَهُم إِلَيها قَذَفُوه فِيهَا)) ([7]).
فالذي ينخدع بهؤلاء والعياذ بالله هذا مصيره أن يقذف في النار, لأنه آثر الباطل على الحق وآثر اتباع الشياطين على اتباع الصراط المستقيم الذي جاء محمد -صلى الله عليه وسلم-.
فعلى الدعاة أو البقية الباقية من دعاة المنهج السلفي أن يحرصوا أشد الحرص, ويحافظوا أشد الحفاظ على ما منحهم الله –تبارك وتعالى- من هذه النعمة العظيمة وأن يسعوا جادين في هداية الناس إلى الصراط المستقيم, فإن هذه الطرق طريق الذل والهوان في الدنيا والآخرة.
ولهذا أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((يُوشِكُ أَن تَدَاعَى عَلَيكُم الأُمَمُ مِن كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الأكَلَةُ عَلَى قَصعَتِهَا)) قَالَ: قُلنَا: يَا رَسُول اللهِ, أَمِن قِلَّةٍ بِنَا يَومَئِذٍ؟ قَالَ: ((أَنتُم يَومَئِذٍ كَثيِرٌ وَلَكِن تَكُونُون غُثَاء كَغُثَاءِ السَّيلِ)) ([8])
فغالبية الأمة صارت غثاء; لأنها اتبعت سبل الشياطين واتبعت دعاة الضلال الذين يهتفون بالناس إلى اتباع هذه الطرق, ثم يقذفون بهم في النار والعياذ بالله.
فعلى السلفي أن يثبت على سبيل النجاة ويهتف بالناس أن يشاركوه بهذا الأمر العظيم, وأن يسيروا معه في طريق النجاة.
ولهذا قال بعض السلف: ((نحن أرحم بأهل البدع منهم بأنفسهم)), إي والله الذي يدعو إلى النجاة فإنه يدعو إلى الرحمة وهو رحيم, والذي يدعو إلى الهلاك مهما لان منطقه جلده كلين جلد الأفعى, فإنه والله غشاش وغير ناصح وإنه لعدو لنفسه وعدو لهؤلاء الجهلة الأغبياء الذين ينقادون له فيقذفهم في النار.
وتعلموا العلم الشرعي, والتفوا حول العلماء يا شباب المنهج السلفي على العلماء الناصحين الصادقين المخلصين الذين يريدون لكم الخير ويريدون لهذه الأمة المخدوعة من أهل الضلال يريدون لهم الخير.
كذلك يتم بالرجوع إلى دين الله الحق الذي حثنا الرجوع إليه الرسول –عليه الصلاة والسلام- فقال –عليه الصلاة والسلام-: ((إِذَا تَبَايَعتُم بِالعِينَةِ, وَأخَذتُم أَذنَابَ اَلبَقَرِ, وَرَضِيتُم بِالزَّرعِ, وَتَركتُم اَلجِهَادَ, سَلَّطَ اَللهُ عَلَيكُم ذُلاًّ لَا يَنزِعُهُ حَتَّى تَرجِعُوا إِلَى دِينِكُم)) ([9]).
فالذل والهوان الذي نزل بهذه الأمة الآن بسبب أنها اتبعت طرق الضلال وتابعت شياطين الجن والإنس فزهد الكثير منهم وزّهَّدوا غيرهم في طريق النجاة, فلابد من العودة إلى طريق النجاة ((حَتَّى تَرجِعُوا إِلَى دِينِكُم)).
بين رسول الله البيان الكافي الشافي أنه لا مخرج لهم أبدًا من هذا الذل والهوان إلا بأن يعودوا إلى الله وإلى دينه الحق, فإذا أصروا على باطلهم فليس لهم عند الله إلا أن يسلط عليهم الأعداء, ((سلط الله عليكم ذُلًّا)). إذا استمر هذا التفرق إلى أن نسعى في طريق النجاة ونسكلها فعلاً وهو الرجوع إلى دين الله الحق.
هأنتم ترون دعاة الضلال كيف يبتعدون بالناس عن هذا المنهج الحق, وكيف يحاربونه ويحاربون أهله ودعاته, وهم الآن حزب يتكالبون على دعاة السنة وحملة راية المنهج السلفي, يتكالبون عليهم من كل حدب وصوب وهذا من علامات الخزي والهوان, وإنهم مصممون على سلوك طريق الباطل والضلال وطريق الذل والهوان.
ووالله لا نجاة لنا من النار ولا من الخزي والذل والهوان في هذه الحياة الدنيا وتسلط الأعداء علينا إلا بالعودة الصادقة الجادة إلى صراط الله المستقيم الذي هو كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-, وما كان عليه الصحابة الكرام من عقائد صحيحة ومناهج صحيحة أخذوها من سنة رسول الله –عليه الصلاة والسلام- ومن كتاب الله –تبارك وتعالى-.
فنسأل الله أن يثبتنا وإياكم على هذا الصراط المستقيم, وأن يجنبنا وإياكم سبل الضلال إن ربنا لسميع الدعاء, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المصدر:
اللباب من مجموع نصائح وتوجيهات الشيخ ربيع للشباب ص [174 – 181].
([1]) أخرجه أحمد (4131) من حديث عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-, وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (166).
([2])أخرجه البخاري (71), ومسلم (1037) من حديث معاوية -رضي الله عنه-.
([3])أخرجه مسلم (2664) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
([4]) أخرجه أبو داود (4607) من حديث العرباض بن سارية -رضي الله عنه-, وصححه الألباني في صحيح الجامع (2549)
([5]) تقدم تخريجه.
([6]) أخرجه أحمد (4131) من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-, وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (166).
([7]) أخرجه البخاري (3606), ومسلم (1847) من حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-.
([8]) أخرجه أبو داود (4297) من حديث ثوبان -رضي الله عنه-, وصححه الألباني في المشكاة (5369).
([9]) أخرجه أبو داود (3462) من حديث ابن عمر -رضي الله عنه-, وصححه الألباني في صحيح الجامع (423).