السؤال :
هل يجوز استخدام فرشة الشعر(المشط) المصنوعة من شُعيرات الخنزير؟ يُقال ان هذه الشُعيرات مفيدة للشعر لذا فهي تُستخدم في تصنيع هذه الأمشطة. ولكني غير متأكدة من جواز استخدامها، وقد اختلف الناس حول هذه المسألة، فأرجو التوضيح. وجزاكم الله خيراً.
الجواب :
الحمد لله
اختلف الفقهاء في نجاسة شعر الخنزير ، فذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى نجاسته ، وذهب المالكية إلى طهارته .
وعلى القول بنجاسته : لا يجوز استعماله رطبا ، أو في مماسة شيء رطب ؛ لأن النجاسة تنتقل بذلك .
وفي "الموسوعة الفقهية" (20/ 35) : " ذهب الجمهور إلى نجاسة شعر الخنزير فلا يجوز استعماله لأنه استعمال للعين النجسة .
وعند الشافعية لو خرز خف بشعر الخنزير لم يطهر محل الخرز بالغسل أو بالتراب ، لكنه معفو عنه ، فيصلى فيه الفرائض والنوافل لعموم البلوى . وعند الحنابلة يجب غسل ما خرز به رطبا ، ويباح استعمال منخل من الشعر النجس في يابس لعدم تعدي نجاسته ، ولا يجوز استعماله في الرطب لانتقال النجاسة بالرطوبة .
وأباح الحنفية استعمال شعره للخرازين للضرورة .
وذهب المالكية إلى طهارة شعر الخنزير ، فإذا قص بمقص جاز استعماله ، وإن وقع القص بعد الموت ، لأن الشعر مما لا تحله الحياة ، وما لا تحله الحياة لا ينجس بالموت ، إلا أنه يستحب غسله للشك في طهارته ونجاسته . أما إذا نتف فلا يكون طاهرا " انتهى .
وفيها أيضا (26/ 102) : " وانفرد المالكية بالقول بطهارة شعر الخنزير ، لأنه [أي الشعر] طاهر حال الحياة ، وهذا إذا جز جزا ولم ينتف . فإن نتف فإن أصوله نجسة ، وأعلاه طاهر .
واستدلوا بقوله سبحانه وتعالى : ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين .
والآية سيقت للامتنان ، فالظاهر شمولها الموت والحياة .
وبحديث ميمونة - رضي الله عنها - : أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في شاة ميمونة حين مر بها : إنما حرم أكلها . - وفي لفظ - إنما حرم عليكم لحمها ورخص لكم في مسكها أي جلدها .
واستدلوا من المعقول بأن المعهود في الميتة حال الحياة الطهارة ، وإنما يؤثر الموت النجاسة فيما تحله الحياة ، والشعور لا تحلها الحياة .
فلا يحلها الموت ، وإذا لم يحلها وجب الحكم ببقاء الوصف الشرعي المعهود لعدم المزيل .
فالأصل في طهارة شعر الميتة أن ما لا تحله الحياة - لأنه لا يحس ولا يتألم - لا تلحقه النجاسة بالموت " انتهى .
والراجح طهارة شعر الخنزير والكلب وغيرهما .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وله [أي الإمام أحمد] في الشعور النابتة على محل نجس ثلاث روايات :
إحداها : أن جميعها طاهر حتى شعر الكلب والخنزير ; وهو اختيار أبي بكر عبد العزيز .
والثانية : أن جميعها نجس كقول الشافعي .
والثالثة : أن شعر الميتة إن كانت طاهرة في الحياة : طاهر ، كالشاة والفأرة , وشعر ما هو نجس في حال الحياة نجس كالكلب والخنزير , وهي المنصورة عند أكثر أصحابه .
والقول الراجح هو : طهارة الشعور كلها : الكلب , والخنزير , وغيرهما بخلاف الريق , وعلى هذا فإذا كان شعر الكلب رطبا , وأصاب ثوب الإنسان , فلا شيء عليه , كما هو مذهب جمهور الفقهاء أبي حنيفة , ومالك , وأحمد في إحدى الروايتين عنه ; وذلك ; لأن الأصل في الأعيان الطهارة , فلا يجوز تنجيس شيء ولا تحريمه إلا بدليل , كما قال تعالى : وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه , وقال تعالى : وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون , وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : إن من أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته . وفي السنن : عن سلمان الفارسي مرفوعا ; ومنهم من يجعله موقوفا : أنه قال : الحلال ما أحل الله في كتابه , والحرام ما حرم الله في كتابه , وما سكت عنه فهو مما عفا عنه . وإذا كان كذلك , فالنبي صلى الله عليه وسلم قال : طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعا أولاهن بالتراب , وفي الحديث الآخر إذا ولغ الكلب . فأحاديثه كلها ليس فيها إلا ذكر الولوغ ; لم يذكر سائر الأجزاء , فتنجيسها إنما هو بالقياس ... وكل حيوان قيل بنجاسته , فالكلام في شعره وريشه كالكلام في شعر الكلب , فإذا قيل بنجاسة كل ذي ناب من السباع , وذي مخلب من الطير , إلا الهر وما دونها في الخلقة كما هو مذهب كثير من العلماء : علماء أهل العراق , وهو أشهر الروايتين عن أحمد , فإن الكلام في ريش ذلك وشعره فيه هذا النزاع , هل هو نجس ؟ على روايتين عن أحمد . إحداهما : أنه طاهر , وهو مذهب الجمهور : كأبي حنيفة , والشافعي ومالك . والرواية الثانية : أنه نجس , كما هو اختيار كثير من متأخري أصحاب أحمد , والقول بطهارة ذلك هو الصواب كما تقدم " انتهى من "الاختيارات الفقهية" ضمن الفتاوى الكبرى (5/ 264).
وبناء على ذلك : فلا حرج في استعمال المشط المصنوع من شعر الخنزير ، ولا يضر ملمسته للشعر الرطب ، لكن التنزه عن ذلك والبعد عنه أولى ؛ خروجا من الخلاف .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب