حكم الدعاء بما يسمى بـ " دعاء كميل بن زياد " .
السؤال :
لي عدة أسئلة تتعلق بما يسمى بدعاء كميل بن زياد .
1. هل يجوز لنا قراءة دعاء كميل الذي يقرأه الشيعة أسبوعياً ؟
2. وإذا كان الدعاء غير صحيح فهل يجوز لنا قراءته لكون الفاظه ومعانيه حسنة ؟
3. وهل يصح الدعاء به بعد التشهد الأخير، بعد قولنا "اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم...الخ" والاقتصار على هذا الدعاء يتلوه السلام مباشرة دون دعاء يتوسطهما؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
دُعاء كُميل من الأدعية المشهورة والمعروفة جداً عند الشيعة ، وهم يحرصون على قراءته في كل ليلة جمعة ، وفي ليلة النصف من شهر شعبان ، تبعاً للروايات الواردة في فضله وأثره البالغ في تربية النفس ، ولما يحتويه من المعاني الرفيعة – على حسب زعمهم - .
قال محمد باقر المجلسي بشأن هذا الدعاء : " إنّه أفضل الأدعية وهو دُعاء الخضر عليه السَّلام ، وقد علّمه أمير المؤمنين عليه السَّلام كميلاً ، وهو من خواصّ أصحابه " .
وقال القُمِّيُ : " وهو من الدَّعوات المعروفة ، ويُدعى به في ليلة النّصف مِن شعبان ، وليلة الجمعة ، ويُجْدي في كفاية شرّ الأعداء ، وفي فتح باب الرّزق ، وفي غفران الذّنوب " .
وجاء في خبر هذا الدعاء قول علي بن أبي طالب لكميل بن زياد : " اجلس يا كميل ، إذا حفظت هذا الدعاء فادعُ به كل ليلة جمعة ، أو في الشهر مرة ، أو في السنة مرة ، أو في عمرك مرة ، تُكْفَ وَتُنْصَر وَتُرْزَق ، وَلَنْ تُعْدَم المغفرة .
يا كميل : أوجَبَ لك طولُ الصحبة لنا أن نَجُودَ لكَ بما سألت " .
ثم قال : " اَللّـهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء ، وَبِقُوَّتِكَ الَّتي قَهَرْتَ بِها كُلَّ شَيْء ، وَخَضَعَ لَها كُلُّ شَيء ، وَذَلَّ لَها كُلُّ شَيء ، وَبِجَبَرُوتِكَ الَّتي غَلَبْتَ بِها كُلَّ شَيء ، وَبِعِزَّتِكَ الَّتي لا يَقُومُ لَها شَيءٌ ، وَبِعَظَمَتِكَ الَّتي مَلأَتْ كُلَّ شَيء ، وَبِسُلْطانِكَ الَّذي عَلا كُلَّ شَيء ، وَبِوَجْهِكَ الْباقي بَعْدَ فَناءِ كُلِّ شَيء ، وَبِأَسْمائِكَ الَّتي مَلأَتْ أرْكانَ كُلِّ شَيء ، وَبِعِلْمِكَ الَّذي أَحاطَ بِكُلِّ شَيء ، وَبِنُورِ وَجْهِكَ الَّذي أَضاءَ لَهُ كُلُّ شيء ، يا نُورُ يا قُدُّوسُ ، يا أَوَّلَ الأوَّلِينَ وَيا آخِرَ الآخِرينَ .
اَللّهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تَهْتِكُ الْعِصَمَ ، اَللّـهُمَّ اغْفِـرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ النِّقَمَ ، اَللّهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُغَيِّـرُ النِّعَمَ ، اَللّـهُمَّ اغْفِرْ لي الذُّنُوبَ الَّتي تَحْبِسُ الدُّعاءَ ، اَللّـهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ الْبَلاءَ ، اَللّهُمَّ اغْفِرْ لي كُلَّ ذَنْب اَذْنَبْتُهُ ، وَكُلَّ خَطيئَة أخْطَأتُها ... " إلى آخر هذا الدعاء ، وهو دعاء طويل مسجوع فيه كثير من التكلف ، لا يظهر عليه جلال الصحبة ، وهو بعيد عن نور النبوة .
ولا يعرف لهذا الدعاء إسناد إلى عليّ رضي الله عنه عند أهل السنة ، وإنما هو معروف عند من يعتقد الكذب على الله ورسوله وأوليائه دينا يتقرب به إلى الله .
ثانيا :
على فرض أن كل ألفاظه ومعانيه حسنة ، فلا ينبغي الدعاء به والمواظبة عليه ؛ لأنه فضلا عن كونه دعاء مختلقا لا تصح نسبته إلى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، ثم قد صار شعارا لأهل البدع من الرافضة ومن نحا نحوهم ، وقد تقدم أنهم يقدسونه ويعظمونه ويرفعون شأنه ، وما كان هذا وصفه فإنه لا يتدين به .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" إِذَا كَانَ فِي فِعْلٍ مُسْتَحَبٍّ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ لَمْ يَصِرْ مُسْتَحَبًّا ، وَمِنْ هُنَا ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى تَرْكِ بَعْضِ الْمُسْتَحَبَّاتِ إِذَا صَارَتْ شِعَارًا لَهُمْ – يعني الرافضة - فَإِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا بِذَلِكَ ، لَكِنْ قَالَ : فِي إِظْهَارِ ذَلِكَ مُشَابَهَةٌ لَهُمْ ، فَلَا يَتَمَيَّزُ السُّنِّيُّ مِنَ الرَّافِضِيِّ ، وَمَصْلَحَةُ التَّمَيُّزِ عَنْهُمْ لِأَجْلِ هِجْرَانِهِمْ وَمُخَالَفَتِهِم ْ، أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ هَذَا الْمُسْتَحَبِّ " .
انتهى من "منهاج السنة النبوية" (4/ 154) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :
" بالغ طائفة من العلماء فنهوا عن التشبه بأهل البدع مما كان شعاراً لهم ، وإن كان في الأصل مسنوناً ، واتفقت الطائفتان على أن النهي عن التشبه بأهل البدع فيما هو شعار لهم " .
انتهى من "فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم" (6 /202) .
ثالثا :
قول السائل : هل يصح بعد الصلاة الإبراهيمية من التشهد الأخير أن نقتصر على هذا الدعاء يتلوه السلام مباشرة دون دعاء يتوسطهما ؟
فإن كان مقصوده بالدعاء هذا الدعاء المعروف بدعاء كميل بن زياد ، فقد تقدم أن ذلك غير مشروع ، بل ينهى عنه .
وإن كان مقصوده السؤال عن حكم السلام مباشرة بعد الفراغ من الصلاة الإبراهيمية دون دعاء : فليُعلم أن الدعاء في التشهد الأخير بعد الفراغ من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقبل السلام مسنون ليس بواجب ، فيجوز للمصلي أن يسلم مباشرة دون دعاء .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (27 /98)
" يُسَنُّ لِلْمُصَلِّي بَعْدَ التَّشَهُّدِ الأْخِيرِ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا شَاءَ ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَقُل : التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ - إِلَى آخِرِهِ ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ ، أَوْ مَا أَحَبَّ ) .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ : ( ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو بِهِ ) . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِمُسْلِمٍ : ( ثُمَّ لِيَتَخَيَّرَ بَعْدُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ ) " انتهى .
وقال في "أسنى المطالب" (1/166) :
" ( وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بَعْدَهَا ) أَيْ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ ( بِمَا شَاءَ ) مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا " انتهى .
فعلى ذلك : لو اقتصر المصلي على التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم سلم ولم يدع بشيء فلا حرج عليه ، إلا أنه تارك للسنة .
ويتأكد قبل السلام من الصلاة التعوذ بالله من أربع : مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فتنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فيما رواه مسلم (588) عن أبي هُرَيْرَةَ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْآخِرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ : مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ) .
قال النووي رحمه الله : " فِيهِ : التَّصْرِيح بِاسْتِحْبَابِهِ فِي التَّشَهُّد الْأَخِير " انتهى .
وهناك أدعية أخرى يستحب أن يقولها المصلي بعد الفراغ من التشهد الأخير ، والله تعالى أعلم .