زائر زائر
| موضوع: قال لها في الغضب الشديد أنت طالق طلاقا دائما الأربعاء أكتوبر 17, 2012 10:54 pm | |
| قال لها في الغضب الشديد أنت طالق طلاقا دائما
السؤال: زوجي يعاني من عدم التحكم بغضبه، حتى أنه الآن بدأ يحضر دروساً في كيفية إدارة الغضب. ومع هذا فما زال يظن انه لا يعاني من هذه المشكلة وأنه ما حضر هذه الدروس إلا تنزلاً لرغباتي لأني أنا من يعايشه وأرى منه ما لا يرى هو من نفسه.. غالب مشاكلنا حول قضايا حدثت في الماضي، وكلما فتحنا هذه القضايا او بعضاً منها ثارت ثائرته حتى إنه في إحدى المرات طلقني طلقة واحدة. وبعدها بدأنا بالشجار ما إذا كان قد أخبر عائلتي بما حدث أم لا. إنني أحاول تجنب إغضابه لاني أعلم أنه إن غضب فإنه يخرج عن طوره فلا يستطيع التحكم بما يقول.. إنه يجرح كل من حوله بلا شعور. وفي إحدى الليالي كانت الأمور على ما يرام فذكرت، دون أن أشعر، قضية من تلك القضايا التي تثير حفيظته فغضب غضباً شديداً وقال: أنت طالق طلاقاً دائماً! لقد كان غاضباً لدرجة أني رأيت فيه شخصاً آخر غير الذي أعرف، ورغم محاولاتي في تهدئته إلا أني لم أستطع وكانت الامور تسير في مسار عكسي. ثم بعد ذلك بقليل قام فأرسل رسالة نصية الى أسرتي يخبرهم بما حدث، وأذاع بعض الأسرار التي كانت بيني وبينه. ثم في اليوم التالي كان كلانا مصدوم مما حدث، لأنه بطلاقه ذاك بلغ حد الثلاث وجاوز... فقد قال ".. طلاقاً دائماً". إننا نحب بعضنا كثيراً وقد بحثنا عن الفتاوى المتعلقة بهذا الموضوع، فوجدنا ما يبعث على الأمل وأن تلك الطلقة لا تُعتبر إلا طلقة واحدة طالما أنها كانت ساعة غضب مطبق. لقد ندمنا كثيراً على حصل وسنسعى دائماً الى تجنب كل ما يثير المشاكل التي قد تفضي الى هذه النهايات. فما رأيكم في هذه المسألة؟ ارجو الشرح والتوضيح.
الحمد لله إذا كان زوجك قد تلفظ بالطلاق في حال الغضب الشديد الذي استولى عليه ، ومنعه من التروي والتدبر ، ولولا الغضب ما طلق ، فإن الطلاق لا يقع على الراجح .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عمن تسيء إليه زوجته وتشتمه ، فطلقها في حال الغضب فأجاب :
(إذا كان الطلاق المذكور وقع منك في حالة شدة الغضب وغيبة الشعور ، وأنك لم تدرك نفسك، ولم تضبط أعصابك، بسبب كلامها السيئ وسبها لك وشتائمها ونحو ذلك ، وأنك طلقت هذا الطلاق في حال شدة الغضب وغيبة الشعور ، وهي معترفة بذلك ، أو لديك من يشهد بذلك من الشهود العدول ، فإنه لا يقع الطلاق ؛ لأن الأدلة الشرعية دلت على أن شدة الغضب – وإذا كان معها غيبة الشعور كان أعظم - لا يقع بها الطلاق .
ومن ذلك ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" .
قال جماعة من أهل العلم : الإغلاق : هو الإكراه أو الغضب ؛ يعنون بذلك الغضب الشديد ، فالغضبان قد أغلق عليه غضبه قصده ، فهو شبيه بالمعتوه والمجنون والسكران ، بسبب شدة الغضب ، فلا يقع طلاقه . وإذا كان هذا مع تغيب الشعور وأنه لم يضبط ما يصدر منه بسبب شدة الغضب فإنه لا يقع الطلاق .
والغضبان له ثلاثة أحوال :
الحال الأولى : حال يتغيب معها الشعور، فهذا يلحق بالمجانين ، ولا يقع الطلاق عند جميع أهل العلم .
الحال الثانية : وهي إن اشتد به الغضب ، ولكن لم يفقد شعوره ، بل عنده شيء من الإحساس ، وشيء من العقل ، ولكن اشتد به الغضب حتى ألجأه إلى الطلاق ، وهذا النوع لا يقع به الطلاق أيضاً على الصحيح .
والحال الثالثة : أن يكون غضبه عاديا ليس بالشديد جدا ، بل عاديا كسائر الغضب الذي يقع من الناس ، فهو ليس بملجئ ، وهذا النوع يقع معه الطلاق عند الجميع ) انتهى من فتاوى الطلاق ص 19- 21، جمع: د. عبد الله الطيار، ومحمد الموسى.
وما ذكره الشيخ رحمه الله في الحالة الثانية هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله ، وقد ألف ابن القيم في ذلك رسالة أسماها : إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان ، ومما جاء فيها :
( الغضب ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يحصل للإنسان مبادئه وأوائله بحيث لا يتغير عليه عقله ولا ذهنه , ويعلم ما يقول , ويقصده ; فهذا لا إشكال في وقوع طلاقه وعتقه وصحة عقوده .
القسم الثاني : أن يبلغ به الغضب نهايته بحيث ينغلق عليه باب العلم والإرادة ; فلا يعلم ما يقول ولا يريده , فهذا لا يتوجه خلاف في عدم وقوع طلاقه , فإذا اشتد به الغضب حتى لم يعلم ما يقول فلا ريب أنه لا ينفذ شيء من أقواله في هذه الحالة , فإن أقوال المكلف إنما تنفذ مع علم القائل بصدورها منه ، ومعناها ، وإرادته للتكلم .
القسم الثالث : من توسط في الغضب بين المرتبتين , فتعدى مبادئه , ولم ينته إلى آخره بحيث صار كالمجنون , فهذا موضع الخلاف , ومحل النظر , والأدلة الشرعية تدل على عدم نفوذ طلاقه وعتقه وعقوده التي يعتبر فيها الاختيار والرضا , وهو فرع من الإغلاق كما فسره به الأئمة) انتهى بتصرف يسير نقلا عن : مطالب أولي النهى 5/323 ، ونحوه في زاد المعاد مختصرا 5/215 ، وينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (29/ 18).
وعلى الزوج أن يتقي الله تعالى ، وأن يتجنب استعمال لفظ الطلاق ، حتى لا يفضي ذلك إلى خراب بيته وانهيار أسرته .
كما أننا نوصي الزوج والزوجة معاً بأن يتقيا الله في تنفيذ حدوده وأن يكون هناك نظر بتجرّد إلى ما وقع من الزوج تجاه زوجته هل هو من الغضب المعتاد الذي لا يمكن أن يكون الطلاق عادة إلا بسببه ، وهو الدرجة الثالثة التي يقع فيها الطلاق باتفاق العلماء وأن يحتاطا لأمر دينهما بحيث لا يكون النظر إلى وجود أولاد بينكما باعثاً على تصوير الغضب بما يجعل المفتي يفتي بوقوعه ـ مع علم الطرفين أنه أقلّ من ذلك ـ.
وعليه فإن وجود أولاد بين الزوجين ينبغي أن يكون دافعاً لهما للابتعاد عن استعمال ألفاظ الطلاق والتهوّر فيها ، لا أن يكون دافعاً للتحايل على الحكم الشرعيّ بعد إيقاع الطلاق والبحث عن مخارج وتتبّع رخص الفقهاء في ذلك . وأما الطلاق الثلاث ، أو من قال : أنت طالق طلاقا دئما ، ونحو ذلك ، فيقع طلقة واحدة على الراجح أيضا ، فإن كان في الغضب الشديد ، لم يقع منه شيء . وعلى زوجك أن يستمر في علاج غضبه ، وأن يفطم نفسه عن التلفظ بالطلاق في جميع الأحوال . وينبغي أن تتجنبي ما يثير غضبه ، وينغص الحياة بينكما .
نسأل الله أن يرزقنا جميعاً البصيرة في دينه وتعظيم شعائره وشرائعه .
والله أعلم |
|