هناك الكثير من المؤيّدات التي تدل على أنّ السيدة خديجة (عليها السلام) لم تكن على دين أهل مكة من الشرك، بل كانت مؤمنة على دين إبراهيم الخليل (عليه السلام) ، منها: حرصها الشديد على أن تكون هي صاحبة الشرف العظيم في أن تكون زوجة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وهذا إنما يدلّ على عمق معرفتها وتقديسها للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)الذي يحمل في جبينه نور الرسالة الخاتمة.
نعم، فلمّا عرفت السيدة خديجة مقام الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)واطمأنت بأنه نبي آخر الزمان بذلت كل ما لديها كي تنال شرف الزواج منه.
ففي التاريخ أنّها (عليها السلام) عرضت نفسها عليه(صلى الله عليه وآله وسلم)وقالت له: قم إلى عمومتك وقل لهم يخطبوني لك من أبي، ولا تخش من كثرة المهر فهو عندي.
فخرج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)من عندها ودخل على عمّه أبي طالب (عليه السلام) والسرور في وجهه، فوجد أعمامه مجتمعين
فنظر إليه أبو طالب (عليه السلام) وقال: يا بن أخي يهنؤك ما أعطتك خديجة وأظنّها قد غمرتك من عطاياها؟
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا عم لي إليك حاجة.
قال: وما هي؟
قال: تنهض أنت وأعمامي هذه الساعة إلى خويلد وتخطبون لي منه خديجة.
فاختلف أعمام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بين مؤيّد ومخالف.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا معشر الأعمام قد أطلتم الكلام فيما لا فائدة فيه، قوموا واخطبوا لي خديجة من أبيها فما عندكم من العلم مثل ما عندي منها(41).
ميسرة يتحدّث عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
من الذين أشادوا بفضائل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)وحدّثوا السيدة خديجة (عليها السلام) عن عظيم مقاماته هو (ميسرة) خادمها الذي رافق النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)طيلة سفره إلى الشام وشاهد بعينيه كل المعاجز والكرامات المحمودة التي اتّفقت لـه أثناء الطريق.
فلمّا عاد ميسرة من السفر التفتت إليه السيدة خديجة وقالت: حدّثني كيف كان سفركم؟ وما الذي عاينتم من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
فقال: يا سيدتي وهل اُطيق أن أصف لك بعضاً من صفاته وما عاينت منه(صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم أخبرها بحديث السيل والبئر والثعبان والنخل وما أخبره الراهب وما أوصاه إلى خديجة.
فقالت: حسبك يا ميسرة اذهب فأنت حرّ لوجه الله، وزوجتك وأولادك، ولك عندي مائتا درهم وراحلتان وخلعت عليه خلعة سنية(42) وقد امتلأ سروراً وفرحاً.
ثم إنّ السيّدة خديجة (عليها السلام) التفتت إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وقالت: يا سيدي كيف كان سفركم؟
فأخذ(صلى الله عليه وآله وسلم)يحدّثها بما باعه وما شراه.
فرأت خديجة ربحاً عظيماً، وقالت: يا سيدي لقد فرّحتني بطلعتك وأسعدتني برؤيتك فلا لقيت بؤساً ولا رأيت نحوساً(43).