هل صح أن النبي عليه السلام لما أصيب أسامة في رأسه جعل يمص الدم عنه ويمجه ؟
السؤال:
ما صحة هذا الحديث : عن عائشة رضي الله عنها قالت : عثر أسامة بعتبة الباب فشج في وجهه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أميطي عنه الأذى ) ، فتقذرته ، فجعل يمص عنه الدم ويمجه عن وجهه . وهل يمكن الاستدلال بهذا الحديث على أن الدم الخارج من جرح الرأس أو اليد ونحوه طاهر ليس بنجس ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث رواه ابن ماجة في "سننه" (1976) وأحمد في "مسنده" (25333) وابن حبان في "صحيحه" (7056) والبيهقي في "الشعب" (11017) وابن أبي شيبة في "المصنف" (32972) وأبو يعلى في "مسنده" (4597) وابن عساكر في "تاريخه" (8/67) كلهم من طريق شَرِيك عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ ذُرَيْحٍ عَنْ الْبَهِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " عَثَرَ أُسَامَةُ بِعَتَبَةِ الْبَابِ ، فَشُجَّ فِي وَجْهِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَمِيطِي عَنْهُ الْأَذَى ) فَتَقَذَّرْتُهُ ، فَجَعَلَ يَمُصُّ عَنْهُ الدَّمَ وَيَمُجُّهُ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ : ( لَوْ كَانَ أُسَامَةُ جَارِيَةً لَحَلَّيْتُهُ وَكَسَوْتُهُ حَتَّى أُنَفِّقَهُ ) .
وهذا إسناد ضعيف ، شريك هو ابن عبد الله القاضي سيء الحفظ مخلط ، راجع "ميزان الاعتدال" (2/270)
ولكن تابعه مجالد بن سعيد ، فرواه أبو يعلى (4458) ومن طريقه ابن عساكر (8/68) من طريق هشيم عن مجالد عن الشعبي عن عائشة قالت : " أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أغسل وجه أسامة بن زيد يوما وهو صبي ، قالت : وما ولدت ولا أعرف كيف يغسل الصبيان ، قالت : فآخذه فأغسله غسلا ليس بذاك ، قالت : فأخذه فجعل يغسل وجهه ويقول : ( لقد أحسن بنا إذ لم يك بجارية ، ولو كنت جارية لحليتك وأعطيتك ) .
ومجالد ضعيف أيضا ، انظر "الميزان" (3/438) .
ورواه ابن سعد في "الطبقات" (4/62) أخبرنا يحيى بن عباد قال حدثنا يونس بن أبي إسحاق قال حدثنا أبو السفر قال : " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس هو وعائشة وأسامة عندهم ، إذ نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه أسامة فضحك ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو أن أسامة جارية لحليتها وزينتها حتى أنفقها ) .
وهذا مرسل صحيح .
فأصل الحديث بهذه المتابعة وهذا الشاهد ثابت ، ومن ثَمّ صححه الشيخ الألباني رحمه الله في "الصحيحة" (1019) وفي "صحيح ابن ماجة" .
لكن قصة مصّ النبي صلى الله عليه وسلم الدم عن أسامة ومجّه غير ثابتة ؛ لتفرد شريك بها ، وهو سيء الحفظ ، فلا يحتج به .
والاستدلال بهذا الحديث على أن الدم الخارج من جرح الرأس أو اليد ونحوه طاهر ليس بصواب ؛ فالزيادة التي تدل على ذلك لا تثبت ، كما سبق بيانه ؛ والدم السائل ، نجس باتفاق العلماء ، راجع جواب السؤال رقم : (114018) .
وإنما المعفو عنه يسير الدم ، راجع جواب السؤال رقم : (163819) .
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" وَحُكْمُ كُلِّ دَمٍ كَدَمِ الْحَيْضِ ، إِلَّا أَنَّ قَلِيلَ الدَّمِ مُتَجَاوِزٌ عَنْهُ لِشَرْطِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي نَجَاسَةِ الدَّمِ أَنْ يَكُونَ مَسْفُوحًا ، فَحِينَئِذٍ هُوَ رِجْسٌ ، وَالرِّجْسُ النَّجَاسَةُ ، وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ رِجْسٌ نَجِسٌ " انتهى من "التمهيد" (22/230) .
والله تعالى أعلم .