يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ
هنا سؤال : إذا عُزي الهوى إلى نبي فأي هوى هذا ؟إذا عزي الهوى إلى ساقط معروف أنه الهوى المنحط ، إما إذا عزي الهوى إلى نبي عظيم أيّ هوى هذا ؟هو أن يحب الله عز وجل ، يعني حبه لله عز وجل ورغبته بالقرب منه .. خلوده إلى الذكر .. إلى التسبيح .. إلى التحميد هو الذي صرفه عن أن يحكم بين الناس بالعدل ، إذاً هو مُلام عند الله عز وجل ، وقد ترك الأَوْلى لكن ليس كما يتوهم بعض الساقطين من أن هواه إلى ما يهواه الناس عادة هو الذي صرفه عن الحق .. لا .فقد ترك داوود عليه السلام الأَوْلى بمعنى أنه لم يوازن بين أن يكون مع الحق وأن يكون مع الخلق ، بل آثر أن يكون معالحق على أن يكون مع الخلق ، فلما جاء الوقت المناسب ليكون مع الخلق حكم سريعاً واستمع من واحد ولم يستمع من الآخر وأنهى القضية ليعود إلى ما كان عليه .ظن بعضهم من أن النعجة هنا هي امرأة ، يعني هذا قول ضعيف جداً ، لأنه أن يكون عنده تسع وتسعون امرأة ويطمع في امرأة أحد قواده ، كما قلت قبل قليل هذه رواية إسرائيلية دخلت إلى كتب التفسير .مشكلة حقيقية بين رجلين ، أو مشكلة افتراضية بين مَلَكين ، مشكلة حقيقية بين رجلين إن قلنا رجلين منعا من الدخول فتسورا المحراب ، وإن قلنا ملكين تسورا المحراب والمشكلة افتراضية ، المغزى أن هذا النبي حكم سريعاً وعاد إلى مُصلاّه وإلى محرابه وإلى متهجده وإلى تسبيحه وتحميده وتلاوته . و حقيقة الدنيا أنها دار عمل والآخرة دار جزاء
فالسرور الروحي مكانه الحقيقي في اليوم الآخر ، أما في الدنيا العمل مقدم على المتعة الروحية ، إذا لم يكن عمل فإذا فرغت فانصب ، اقرأ واذكر وتهجد وصلِّ واستغفر وسبِّح واحمد وكبّر وهلِّل ، هذه عبادة والعبادة لها شأنها في الإسلام ، أما إذا خيرت بين عبادة (نفل) وخدمة فاختر الخدمة .
سيدنا ابن عباس كان في معتَكَفه ، دخل عليه رجل رآه كئيباً ،
قال له : ما لي أراك كئيباً ؟ قال : والله هي ديون لزمتني لا أطيق وفاءها ، قال : لمن هي ؟ ، قال : لفلان ، قال : أتحب أن أكلمه لك ، قال : إن شئت ، فخرج من معتَكفه ، فقال له رجل : أنسيت أنك معتكف ؟ قال : لا والله ، ولكن سمعت صاحب هذا القبر وأشار إلى النبي عليه الصلاة والسلام يقول : والله لأن أمشي مع أخي في حاجته خيرٌ لي من أن أعتكف شهراً ، وفي قول: سنة .
معنى ذلك
أنك إذا خُيِّرت بين عمل صالح وبين اعتكاف أو ذكر أو تلاوة يجب أن تختار العمل الصالح ، لأنك جئت إلى الدنيا من أجل العمل الصالح ، والدليل أن الإنسان حينما يموت يقول رب أرجعوني لعلي أعمل صالحاً ، لكن هو العمل الصالح لا يكون إلا بالذكر ، ما لم يكن لك صلة بالله وإقبال عليه لن تنطلق إلى العمل الصالح ،
إذاً لا بدّ من الموازنة كما بدأت القصة ، لا بدّ من أن توازن بين العمل الصالح وبين التعبد ، والإنسان لو أنه نظم وقته فجعل لله وقتاً ولعباده وقتاً ولأهله وقتاً ولجسده وقتاً ، أعطى كل ذي حق حقه ، إن لزوجك عليك حقاً ، وإن لأهلك عليك حقاً ، وإن لجسدك عليك حقاً فأعطِ كل ذي حق حقه .
ما هو سبيل الجنة
هو العمل الصالح ، فلو أن الإنسان ترك الناس وانسحبمن المجتمع وقبع في صومعة وتعبّد الله عز وجل الآن ضلّ الطريق إلى الله ، لأن الطريق إلى الله في خدمة الخلق ، الآخرة دار نعيم مقيم ، الآخرة دار سعادة روحية أبدية ثمنها هذه الدنيا ، فلو تعجل هذه السعادة الروحية قبل أوانها فقد ضل طريقها ، هذه السعادة الروحية ثمنها العمل الصالح ، ثمنها طلب العلم ، ثمنها تعليم العلم ، ثمنها خدمة الخلق ، فإذا عزفت عن خدمة الخلق وطلب العلم وعن تعليم العلم وقبعت في مكان تتعبد ربما ضللت السبيل إلى الله عز وجل
الطريق إلى الله عز وجل أساسه العلم والعمل
هذا كلام دقيق ، فكلمن ترك العمل واعتمد على ذكره أو اعتمد على عبادته من دون عمل كانت مرتبته في الآخرة أقل بكثير من مرتبة العاملين ، لقوله تعالى :
وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ(132)إذاً نحن نريد دائماً أن نصحح مسارنا ، الخطر أن ينطلق الإنسان بقناعات ليس لها دليل ، فهذا سلك هذا الطريق ، آخر سلك غيرهيا ترى أي طريق هو المجدي ؟أي طريق موصل إلى الله عز وجل ؟ الطريق الموصل إلى الله عز وجل هو الطريق الذي سلكه النبي عليه الصلاة والسلام ، قال عليه الصلاة والسلام :من يَعِش بعدي فسيرى اختلافاً كبيراً ، فعليكم بسنتي .
اختلاف بين جوهر الدين وبين ما آل إليه الدين
قد يصبح الدين في آخر الزمان حركات ورقص وحضرات ، وقد يصبح أناشيدَ وطرباً ، وقد يصبح فكراً فقط ، فمن أدرك هذا الزمان فقال :عليكم بسنتي .
عُودوا إلى سنة النبي عليه الصلاة والسلام الإسلام واسع جداً وفيه عدة جوانب جانب علمي وجانب سلوكي وجانب عملي وجانب انفعالي
فإذا ظننته أنه قلباً فقط فقد ضللت السبيل ، سلوك فقط ضللت السبيل ، فِكْر فقط ضللت السبيل ، يجب أن تجمع بين الفكر وبين القلب وبين العمل ، فكر متشبع بالعقيدة الصحيحة ، تصوّر صحيح عن كل قضية في الدين ، قلب مفعم بالإيمان من حب وإنابة وتوكل وتواضع ، وسلوك منضبط وفق الشرع ،فمن رجَّح السلوك وغفل عن قلبه فقد ضل سواء السبيل ، من رجَّح القلب وترك العمل الصالح فقد ضل سواء السبيل ، من اعتنى بعقله وفكره على حساب انفعالاته وسلوكه فقد ضل سواء السبيل .
مقصودنا في هذه القصة هو تحقيق التوازن تحقيق التوازن بين متطلبات العقل والقلب والسلوك ، قلب وعقل وسلوك هذه القوى الثلاثة مجتمعة فإذا طغت إحداهما على الأخرى فقد تركنا الأَولى ، وربما انحرف بنا هذا التولي عن التوازن إلى ما لا تُحمدعقباه