حكم استئصال الثدي السليم لاحتمال إصابته بالسرطان بعد إصابة الثدي الآخر
السؤال :
لقد أصبت بسرطان الثدي و أقوم بتلقي العلاج حالياً . و قد أخبرني الأطباء أنهم وجدوا خطأ جينيا مما يجعل احتمال إصابتي بالسرطان البيضاوي في الثدي بنسبة 80% . مما جعلهم يقترحوا استئصال الثديين ، أحدهما لوجود السرطان به ، والآخر لقطع احتمال الإصابة به في المستقبل .
أنا في الثانية و الثلاثين من عمري و ينصحني بعض الناس بأن أؤجل العملية حتى أصل سن الاربعين قبل أن يتم استئصال الثديين للتقليل من احتمال الإصابة بالسرطان البيضاوي في الثدي. لقد أصيبت والدتي بالسرطان في الثدي منذ أربع سنوات وهم يظنون بأننا جميعاً نحمل نفس الخطأ الجيني في عائلتنا . و أرغب في معرفة رأي الشرع في هذا .
فانا أشعر بأن استئصال الثدي السليم الآن يخالف العقيدة الصحيحة . فيجب علي أن أتوكل على الله وأؤمن أن كل ما يحدث لي في المستقبل هو بيد الله بدلاً من الإيمان والاعتماد على الأطباء . فهل من الخطأ إزالة عضو صحيح من الجسم لقلق الأطباء من أنه من الممكن في المستقبل أن يصاب . أرجو من فضلكم مساعدتي بالنصيحة بإخباري بحكم الشرع في هذا لأن الأطباء طلبوا مني التفكير في الأمر وينتظرون ردي عليهم الآن . و لدي ثلاثة أطفال وهل لو فعلت أي شيء لتحسين صحتي لكني لا أريد أن افعل شيء يخالف عقيدة الإسلام لأن أولويتي الأولى هي رضا الله . جزاكم الله خيراً
الجواب :
الحمد لله
أولا :
لا يجوز قطع العضو السليم من البدن لاحتمال إصابته بالمرض في المستقبل ؛ لما في ذلك من التعدي على ما خلق الله تعالى من غير ضرورة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تقرير وجوب ختان الذكر : " أنه قطع شيء من البدن ، وقطع شيء من البدن حرام ، والحرام لا يستباح إلا بالواجب. " انتهى من "الشرح الممتع" (1/ 166).
وينبغي أن تتوكلي على الله ، وتأخذي بأسباب الوقاية .
ثانيا :
أما الثدي المصاب بالسرطان : فإن لم يمكن علاج الإنسان منه والنجاة من خطره إلا بالاستئصال ، جاز استئصاله ؛ لوجود الحاجة الماسة أو الضرورة حتى لا ينتشر المرض إلى غيره .
قال الدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي حفظه الله : " ولا تخلو هذه الأورام من حالتين:
الحالة الأولى: أن تكون منحصرة في موضع معين، ومن أمثلتها ما يلي:
(1) سرطان القولون .
(2) أورام الكبد البدئية الخبيثة
(3) أورام الثدي الخبيثة .
(4) سرطان الخصيتين .
(5) سرطان المستقيم .
وفي هذه الحالة يعتبر الاستئصال دواء ناجحًا لشفاء المريض، ونجاته من خطر هذه الأورام -بإذن الله تعالى- فيجوز فعله لمكان الحاجة الداعية إلى ذلك، والتي قد تبلغ إلى مقام الضروريات ، والله أعلم " انتهى من "أحكام الجراحة الطبية" ص 315
ثالثا :
يباح إجراء عملية لزراعة ثدي صناعي مكان الثدي المستأصل .
وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن الجراحة التجميلية وأحكامها :
" إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الثامنة عشرة في بوتراجايا (ماليزيا) من 24 إلى 29 جمادى الآخرة 1428هـ، الموافق 9 م 13 تموز (يوليو) 2007 م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع الجراحة التجميلية وأحكامها، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر ما يأتي:
يجوز شرعا إجراء الجراحة التجميلية الضرورية والحاجية التي يقصد منها:
أ- إعادة شكل أعضاء الجسم إلى الحالة التي خلق الإنسان عليها، لقوله سبحانه: ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) العلق/4
ب- إعادة الوظيفة المعهودة لأعضاء الجسم.
ج- إصلاح العيوب الخلقية مثل: الشفة المشقوقة ( الأرنبية ) واعوجاج الأنف الشديد والوحمات، والزائد من الأصابع والأسنان والتصاق الأصابع إذا أدى وجودها إلى أذى مادي أو معنوي مؤثر.
د- إصلاح العيوب الطارئة ( المكتسبة ) من آثار الحروق والحوادث والأمراض وغيرها مثل: زراعة الجلد وترقيعه، وإعادة تشكيل الثدي كليا حالة استئصاله، أو جزئيا إذا كان حجمه من الكبر أو الصغر بحيث يؤدي إلى حالة مرضية، وزراعة الشعر حالة سقوطه خاصة للمرأة.
ه- إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسيا أو عضويا " انتهى .
لا حرج في إجراء عملية زراعة الثدي الصناعي ؛ لأن ذلك من باب إزالة العيب ورد الأمر لما خلق الله تعالى .
والأصل في ذلك ما روى أبو داود (4232) والترمذي (1770) والنسائي (5161) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ أَنَّ جَدَّهُ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ [ أي فضة] فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ ) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (25/ 62) : " أنا شاب أبلغ من العمر ثماني عشرة سنة، وقبل أربع سنوات حدث لي بروز في الثديين ، وكان مصاحبا لذلك البروز بعض الألم ، وبعد فترة زال الألم والحمد لله وبقي البروز على حاله ، وبروز الثديين هذا واضح حتى من تحت الملابس ، وقد سألت الطبيب المختص عن ذلك فقال : إنه يمكن إزالة هذا البروز بسهولة ، وذلك عن طريق عملية جراحية تجميلية ، فهل يجوز إجراء مثل هذه العملية ؟ علما أن هذا البروز يسبب لي الإحراج أمام الآخرين .
الجواب : يجوز لك إجراء عملية التجميل لإزالة هذا البروز ، إذا غلب على الظن نجاح العملية ولم ينشأ ضرر يزيد على فائدتها أو يساويه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن غديان ... عبد الله بن قعود " انتهى .
وجاء فيها أيضاً (25/ 59) : " أحد زملائي تزوج بتوفيق الله وحمده ، وجاءني يقول :
إن زوجته تريد عملية تجميل بالوجه والصدر ؛ لأن أنفها كبير وعريض ، وتريد تصغيره بطرق سهلة وصل إليها الطب الحديث ، فهل هذه العملية بها شك أو إثم ؟ علما أن عدم عملها قد يؤدي إلى مضايقة نفسية لبروز هذا العيب في وجهها .
الجواب : إذا كان الواقع كما ذكر، ورجي نجاح العملية ، ولم ينشأ عنها مضرة راجحة أو مساوية - جاز إجراؤها تحقيقا للمصلحة المنشودة ، وإلا فلا يجوز .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن غديان ... عبد الله بن قعود " انتهى .
ولا حرج في أخذ شيء من جلد المؤخرة لإتمام العملية .
ونسأل الله أن يعافيك ويحفظك من كل سوء .
تنبيه مهم :
ورد في السؤال عبارة : " وقد أخبرني الأطباء أنهم وجودا خطأ جينيا - وهم يظنون بأننا جميعاً نحمل نفس الخطا الجيني في عائلتنا" ، فإن كان مقصودهم وجود خلل أو عيب في هذه الجينات ، فهذا قد يقع لبعض الناس ، وهو ابتلاء كغيره من أنواع الابتلاءات التي يقدّرها الله على عباده لحكمة.
وإن كان مقصودهم اتهام الخالق بالخطا أو العجز عن خلق الجين السليم فهذا كفر عظيم بالله تعالى ؛ بل هو القادر على كل شيء ، وأفعاله كلها مبنية على الحكمة ، وهي متقنة غاية الإتقان ، كما قال تعالى : ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) النمل /88.
والله أعلم .