بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحببت قدوتي
كنتُ
في صِغَري وأنا في المرحلة الابتدائية أطمح للمثاليَّة، وكانت معلمة
التربية الدينية تُردد على أسماعنا أن نجعلَ لنا قدوة، وكنتُ أفتش فيمن
حولي، فأظن أنه لا يصلح أحدٌ لأن يكون لي قدوة!
وبعد مدة قدَّر الله
لنا دراسة كتاب كامل يحوي قصة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد - رضي الله
عنها - وبصرف النظر عمَّا كان في الكتاب من قَصص غير موثَّقة، وبعض الحبكات
التي لا غرض من ورائها إلا لفت النظر وجذب الانتباه، إلا أني قررتُ عند
دراستي أنه لا خير في قدوة سوى هذه المرأة التي لم أجدْ لها مثيلاً - وهي
كذلك - وأخذتُ أعيش في أجمل أحلام، فأتخيَّل نفسي في كل حركة، وكل سكنة،
وكأني أنا خديجة، وصارتْ شخصيتها مُحبَّبة إلى نفسي، وتحسَّنتْ عندي الكثير
من الصفات السيئة التي تتصف بها أيُّ طفلة في عُمري؛ من المشاغبات وحب
التمرُّد وغيرها.
إلا أنَّ خديجة التي رسمتُ لها صورة في مخيلتي وكأني أراها تمامًا - وقد بقيت هذه الصورة معي إلى الآن - أخذتني بعيدًا.
فصححتْ
عندي - دون أن تعلم أو تتفوه بكلمة - الكثيرَ والكثير، وكأني أراها أمامي،
وأقول بنبرة طفوليَّة بريئة عند ارتكاب أيِّ خطأ: لو كانت خديجة، أتُراها
كانت ستفعل كذا؟! أو لعلَّ خديجة تغضب لو فعل أحدٌ هذا أمامها.
وكبرتُ وكبر معي حبِّي لخديجة، فتمنيتُ لو أنِّي أراها ولو في منامي!
عشتُ
في تلك الأحلام الرائعة، وذقتُ المتعة باتِّخاذها قدوةً، إلى أن كبرتُ
وتهتُ في دهاليز واقعي المؤْلِم، فما أجملَها من مرحلة! وما أروعها من
أيام!
وإلى الآن تراودني بعضُ الذكريات العَطِرة لتلك المرحلة من
حياتي، وأتذكَّر نفسي، وكيف أدمنتُ الحديث عن خديجة، وتمنيتُ لو أنِّي علمت
عن حياتها أكثر مما أعلم، ومما حوته الكتب.
أتذكَّر حينما قرأتُ أن
الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يرتاعُ إذا ما سمع صوت أخت خديجة بعد
موت هذه الزوجة الطاهرة، وكيف أنَّ عائشة لم تغرْ أكثر مما كانت تغار منها
وهي ميتة لم ترْها في حياتها.
ألهذا الحدِّ كان يحبُّها النبي - صلى الله عليه وسلم؟!
أيُّ امرأة كنتِ يا خديجة؟!
ما
زلتُ أذكر حينما كنتُ في غرفتي أذرف الدمع يأْسًا حتى من التشبُّه بها،
وذلك عندما قرأتُ هذا الحديث الذي هالني وزاد من شعوري الطفولي نحوها؛
حبًّا وإجلالاً، عندما قال جبريل - عليه السلام - لنبيِّنا - صلى الله عليه
وسلم -: هذه خديجة أتتك بإناء فيه طعام، أو إناء فيه شراب، فأقْرئها من
ربِّها السلام، وبشِّرها ببيت من قصبٍ لا صَخَبَ فيه ولا نَصَبَ.
بيت من لؤلؤ لك يا أعظم زوجة عرفها التاريخ؟!
وسلام من الله عليك؟!
ما أروعها! وما أروع الحديث عنها!
كنت أشعر بالسعادة والرهبة عند سماعِ أو قراءة حديث عنها، وكلما قرأت عنها، تمنيتُ المزيد.
فهل لكم في قراءة نبذة يسيرة عن قدوتي الحبيبة؟
خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعُزى بن قصي القرشية الأسدية.
أمها فاطمة بنت زائدة.
ولدت
في مكة، وتزوجت مرتين قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باثنين من
سادات العرب، أولهما: أبو هالة بن زرارة بن النباش التميمي، ورُزقتْ منه
بهند وهالة، والثاني: عتيق بن عائذ بن عمر بن مخزوم، ورُزقتْ منه بهند بنت
عتيق .
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتاجر لها في مالها؛
حيث أرسلته إلى الشام بصُحبة غلامها "ميسرة"، ولما عاد أخبرها الغلام بما
رآه من أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويا لروعة ما أخبر!
فرغبت
فيه زوجًا، ويسَّر الله لهما الزواج الذي تمَّ قبل البعثة بخمس عشرة سنة،
وللنبي - صلى الله عليه وسلم - 25 سنة، وكان عمرها 40 سنة، وعاش الزوجان
حياة كريمة هانئة، وقد رزقهما الله بستة من الأولاد: القاسم، وعبدالله،
ورُقيَّة، وزينب، وأم كلثوم، وفاطمة.
أحبتْ خديجة زوجها حبًّا
شديدًا، وعملت على إرضائه بشتَّى الطرق، فقد جاء إليها الرسول - صلى الله
عليه وسلم - وقد أُصيبَ بالخوف الشديد حين رأى جبريل أوَّل مرة، فلما دخل
على خديجة قال: ((زمِّلوني، زمِّلوني))، ولمَّا ذهب عنه الفزع، قال: ((لقد
خشيتُ على نفسي))، فطمأنته - رضي الله عنها - فماذا قالت؟
تأمَّلي أيتها الزوجة، تدبَّري أيتها العاقلة، تشبَّهي أيتها المُحبَّة.
قالت
- رضي الله عنها -: "كلا، والله لا يخزيك الله أبدًا؛ فوالله إنك لتصل
الرَّحِم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتُعين
على نوائب الحقِّ"؛ رواه البخاري.
ثم انطلقتْ به إلى ورقة بن نوفل،
ليبشِّره باصطفاء الله له خاتمًا للأنبياء - عليهم السلام - والقصة معروفة
في كُتب السيرة، بل كل هذا معلوم عن خديجة، لكن الحديث عنها وعن مثيلاتها
لا تملُّه الأُذُن.
أختي المسلمة:
حدِّثي بناتك أو طالباتك أو مَن تعرفين من الصغار عن تلك المرأة التي أقرأها الله - تبارك وتعالى - السلام.
وليجعلْنَها قدوة لهنَّ في الحياة، وعَلَمًا يُهتدى به.
دمتم برعاية الرحمن وحفظه