ثروت Admin
عدد المساهمات : 1166 تاريخ التسجيل : 18/06/2014 الموقع : خى على الفلاح
| موضوع: شهر رجب وتخصيصه الخميس مارس 22, 2018 5:55 pm | |
|
الحمد لله العظيم الجليل، القوي المتين، خالق الخلق أجمعين، وصلواته وسلامه على نبيا محمد خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين، وعلى آله وأصحابه وكافة أتباعه وأتباعهم إلى يوم الدين.
أما بعد، أيها المسلمون:
فلا يزال الحديث معكم متواصلاً عن شهر رجب، وبعض ما يتعلق به، ويقع فيه من أمور، فأقول مستعيناً بالله ربي:
الوقفة الثالثة / عن حادثة الإسراء والمعراج وهل وقعت في شهر رجب أم لا.
هذه الحادثة العظيمة، والآية الكبيرة، والمعجزة الظاهرة الباهرة، قد جاء إثباتها في القرآن العظيم، وتكاثرت واستفاضت بها نصوص السنة النبوية، إلا أنه مع ذلك لم يصح في تعيين وقت وقوعها حديث واحد ولا أثر، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا عن التابعين.
وقد اختلف المؤرخون وأهل السير وغيرهم في تحديد زمن وقوعها اختلافا كبيراً، فمنهم من قال: إنها كانت في شهر ربيع الأول، ومنهم من قال: في شهر ربيع الآخر، ومنهم من قال: في شهر رجب، ومنهم من قال: في شهر رمضان، ومنهم من قال: في شهر شوال، ومنهم من قال: في شهر ذي القعدة، ومنهم من يجعلها في أوائل الشهر، ومنهم من يجعلها في أوساطه، ومنهم من يجعلها أواخره.
ومن أضعف الأقوال قول من قال: إنها كانت في شهر رجب في ليلة السابع والعشرين منه.
حتى قال الفقيه أبو الخطاب الأندلسي المالكي الشهير بابن دحية الكلبي ـ رحمه الله ـ: وذكرَ بعض القُصَّاص أن الإسراء كان في رجب، وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب.اهـ
وقال الفقيه الشافعي علاء الدين بن العطار الدمشقي ـ رحمه الله ـ: وقد ذكر بعضهم أن المعراج والإسراء كان فيه، ولم يثبت ذلك.اهـ
وقال العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ: أما ليلة الإسراء والمعراج فالصحيح من أقوال أهل العلم أنها لا تعرف, وما ورد في تعيينها من الأحاديث فكلها أحاديث ضعيفة لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم, ومن قال: إنها ليلة سبع وعشرين من رجب فقد غلط، لأنه ليس معه حجة شرعية تؤيد ذلك، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها.اهـ
الوقفة الرابعة / عن حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج في شهر رجب.
حادثة الإسراء والمعراج معروفة مشهورة، ذكرها الله تعالى في كتابه، وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، وأجمع على وقوعها أهل العلم، ومع هذا لم يرد الاحتفال بها لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، ولا عن التابعين، ولا عن أحد من أهل القرون المفضلة، ولا عن أحد من الأئمة المتبوعين كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم، بل هو عندهم متروك مهجور غير معروف، وما فعل إلا بعدهم بمئات السنين.
وهذا الترك من هؤلاء القوم الأجلاء للاحتفال يكفي كل مؤمن بالله، ومحب لله ورسوله ومعظم لهما وموقر، في أن لا يكون من المحتفلين، ولا من الداعين إليه، ولا من المباركين به، ولا من الداعمين بمال وطعام وشراب لأهله وإقامته، ويكفيه أيضاً في إبطاله والإنكار على أهله، أو على من يسهل ويهون من شأنه، إذ لو كان هذا الاحتفال من الخير والهدى، والرشد والصلاح، والطاعة والعبادة، وزيادة الدين وقوته، لما تركه أشد الناس تعظيماً وانقياداً ومحبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأرغبهم في الخير والإكثار منه، ألا وهم أهل القرون الثلاثة الأولى، وعلى رأسهم الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ الذين قال الله تعالى في شأن نبيه صلى الله عليه وسلم وشأنهم: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }.
وقال نبيه صلى الله عليه وسلم عنهم: (( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ )) رواه البخاري ومسلم.
ومن لم يسعه ما وسع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الترك لهذا الاحتفال وغيره من الاحتفالات التي تُفعل اليوم، فلا يلومن إلا نفسه، فإنه لا يسير إلا على طريق معصية وهلكة، ولا يمشي إلا في سبيل منقصة ومذمة، ولا يعود على نفسه إلا بالإثم والوزر، ولا يلقيها إلا في حضيض الخسارة والهوان.
أيها الناس:
اعلموا ـ سددكم الله ـ أن الأعمال التي يقوم بها الناس من صيام أو صلاة أو ذكر أو احتفالات أو غيرها تقرباً إلى الله تعالى، وطلباً للأجر منه، ولم يأت دليل من القرآن والسنة في دعوة الناس إلى فعلها، ولا فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ، يطلق العلماء ويحكمون عليها بأنها بدعة.
وإحداث البدع في الدين أو فعلها أو دعوة الناس إلى فعلها ونشرها في مجتمعاتهم من المحرمات الشديدة، والمنكرات الشنيعة، والسيئات الخطيرة، فقد كان عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب الناس يحذرهم من البدع، ويبين لهم بأنها ضلالة، فيقول: (( أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْر الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )) رواه مسلم.
وثبت عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: (( وإن شر الأمور محدثاتها، ألا وإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار )).
ولا ريب عند الجميع بأن ما وصِف في الشرع بأنه شر، وأنه ضلالة، وتُوعِّد عليه بالنار، يدخل في صف المحرمات والسيئات، والمنكرات والخطيئات.
فاللهم جنبنا الشرك والبدع والمعاصي، وارزقنا لزوم التوحيد والسنة والاستقامة، وطهر أقوالنا وأسماعنا وأفعالنا وجوارحنا عن ما يغضبك، واشرح صدورنا بالسنة والاتباع، وآمنا في مراكبنا ومساكننا ومساجدنا وأعمالنا وأسفارنا، وأصلح ولاتنا وأهلينا وأولادنا، وثبتنا في الحياة على طاعتك، وعند الممات على قول لا إله إلا الله، وفي القبور عند سؤال منكر ونكير، ويوم الحشر حين المرور على الصراط، اللهم لين قلوبنا قبل أن يلينها الموت، واجعلها خاشعة لذكرك وما نزل من الحق، اللهم ارفع الضر عن المتضررين من المسلمين، اللهم ارفع عنهم القتل والاقتتال، وأزل ما بهم من خوف جوع، وقهم الأمراض والأوبئة، وأعذهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، و { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }. | |
|