زائر زائر
| موضوع: الحياء من الله الإثنين أغسطس 19, 2013 1:04 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الأعز الأكرم, حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه, كما يليق بجلاله الأعظم, وأتوب إليه وأستغفره, وأثني عليه بما هو أهله, وأشكره على جزيل ما وهب, وعظيم ما أنعم, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, صنع فأتقن, وشرع فأحكم, وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله, المبعوث رحمة للعالمين, دعا إلى دين الحق, وهدى بإذن ريه للتي هي أقوم, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسلم .
عباد الله : واعجباً لمن استمرأ المعاصي والآثام ، والذنوب العظام ، ولم يأبه بالملك العلام ، أنسي ذلك الإنسان أن الله الذي خلقه ؟ وهو قادر عليه ؟ وسوف يعود إليه للحساب والجزاء ، { وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى } ، يالله ألم يتأمل الإنسان أطوار خلقه ، وأنه ما بين نطفة مذرة ، وعظام نخرة ، وجيفة قذرة ، قال الله ومن أصدق منه قيلاً : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ } . ألا فليتأمل كل مسلم ، بل كل إنسان إلى آثار رحمة الله عليه في رحم أمه ، في ظلمات ثلاث ، ظلمة البطن والرحم والمشيمة ، مَن الذي أوحى إلى الرحم أن يَتَضَايق عليك وأنت نُطْفة حتى لا تَفْسد هناك ؟ وأوحى إليه أن يَتَّسِع لك ويَنْفَسِح حتى تَخْرُج منه سليماً إلى أن خَرَجْتَ فَريدا وَحيدا ضَعيفا لا قِشْرة ولا لِباس ، ولا مَتاع ولا مَال ؟ فَصَرَف ذلك اللبن الذي كنت تَتَغَذَّى به في بَطن أمك إلى خِزَانتين مُعَلَّقَتين على صدرها ! تَحْمِل غذاءك على صدرها ، كما حَمَلَتْك في بَطنها ، ثم سَاقَه إليك، فهو بِئر لا تَنْقَطِع مادَّتها ، ولا تَنْسَدّ طُرُقها ، فمن رَقَّقَه لك وصَفَّاه ، إنه الله الرحيم ، ومن أطَاب طَعْمه ، وحَسَّن لَونه ، وأحْكم طَبْخَه أعْدَل إحْكَام ؟ إنه الله اللطيف ، جمع لك فيه بين الشراب والغذاء ، فتجد الثدي الْمُعَلَّق كالإدَاوَة قد تَدَلَّى إليك ، وأقبل بِدَرِّه عليك ، أمَا خَرَجْتَ مِن بَطْن أمك مَقْلُوبا لا تَرَى ولا تَعِي ؟ { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا } ، أما وَهَبك الله عَينين ، لِتَرَى وتخضع ؟ ومَنَحَك أُذُنين ، لتعي وتَسْمَع ؟ وحَبَاك قَلْبًا وَاعِيًا لتُدْرِك وتخشع ، وحواساً أخرى لتذعن وتخضع ؟ فبهذه النعم والأعضاء أدْرَكْت ووعَيت ، وعَقَلْت وتعَلَّمْت ، { وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . أيها المسلمون : الله الذي هَداكم سُبُل السَّلام ، وبين لكم طريق الرشاد ، { أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } ، وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :" كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ ، هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ " [ متفق عليه ] ، فكونوا على الفطرة السليمة التي فطركم الله عليها ، وإياكم واتباعُ خطوات الشيطان ، فقد نهاكم الله عنها فقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ } ، الله الذي خلقك فسواك فعدلك ، فهو أحق بالعبادة والطاعة والخوف والخشية من غيره ، { هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } ، فإن لم تتفكر في نفسك التي بين جنبيك ، ولم تَرَ دَقيق صُنع الله فيك ، فَدُونَك ما هو أعظم من ذلك ، خَلْق السَّماوات والأرض وما فيهما وما بينهما من الأفلاك والمجرات والمخلوقات ، وجعل فيهن ما تقوم به الحياة { أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا } ، فكيف لا يُوقَّر الخالق العظيم ، كيف لا يُرْجَى له وَقَار ، فلا إله لنا غيره ؟ ولا رب لنا سواه ؟ ولا خَالِق ولا رَازِق غَيره ؟ ولا مُدَبِّر للأمْر إلاَّ إياه ؟ لا كاشِف للبلوى إلاّ الله ، هو العلي القدير ، هو الحيي الستير ، علام الغيوب ، ستار العيوب ، اللهم استر عوراتنا ، وأمن روعاتنا ، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا ، وعن أيماننا وعن شمائلنا ، ومن فوقنا ، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا ، أنت إلهَنا ومولانا . عباد الله : إنه الله الرحيم ، إنه الله الكريم ، إنه الله العظيم ، سبحان الله ما أعظمه ، ما أكرمه ، ما أحلمه ، ما ألطفه ، ما أرأفه ، هو الْمَلِك لا شَريك له ، والفَرْد لا نِدّ لَه ، كُلّ شيء هالِك إلاَّ وَجْهه ، لن يُطاع إلاَّ بِإذنه ، ولن يُعْصَى إلاَّ بِعِلْمه ؛ يُطَاع فَيَشْكُر ، ويُعْصَي فَيَغْفِر ، كيف لا تحبه النفوس ، وهو السلام القدوس ، كيف لا تُحِبّ القلوب مَن لا يأتي بالحسنات إلاّ هو ؟ ولا يَذهب بِالسيئات إلاّ هو ؟ يُجيب الدعوات ، ويُقِيل العَثرات ، ويَغفر الخطيئات ، لا إله إلا هو ، يَستر العَورات ، ويَكشف الكُرُبات ، ويُغيث اللهفات ، ويُنِيل الطَّلَبَات ، فالحمد لله حمداً يليق بجلاله وعظمته ، وقوته وجبروته ؟ فهو أحقّ مَن ذُكِر ، وأعظم مَن شُكِر ، وأكرم مَن حُمِد ، وأحَقّ مَن عُبِد ، وَأنْصَر مَن ابْتُغِي ، وأرْأف مَن مَلَك ، وأجْود مَن سُئل ، وأوسع مَن أعْطَى ، وأرْحَم مَن اسْتُرْحِم ، وأكْرَم مَن قُصِد ، وأعَزّ مَن الْتُجِئ إليه ، وأكْفَى مَن تُوكِّل عليه ، إنه الله ! أرْحَم بِعَبْدِه مِن الوالِدَة بِوَلَدِها ، وأشَدّ فَرَحًا بِتَوبة عِباده التائبين مِن الفَاقِد لِرَاحِلته التي عليها طعامه وشَرَابه في الأرض الْمُهْلِكة إذا يَأس مِن الحياة فَوَجَدها . أيها المسلمون : عظموا ربكم تبارك وتعالى ، واعرفوا قدره جل وعلا ، فهو القائل سبحانه : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } ، فهو أقرب شَهيد ، وأدْنَى حَفيظ ، وأوْفَى وَفِيّ بِالْعَهْد ، وأعْدَل قائم بِالقِسْط ، حال دون النفوس ، وأخذ بالنواصي ، وكَتَب الآثار ، ونَسَخ الآجال ، فالقُلُوب له مُفْضِية ، والسِّرّ عِنده علانية ، وكُلّ أحد إليه مَلْهُوف ، نحن المحتاجون إليه ، وهو الغني عنا ، لا تضره معصية ، ولا تنفعه طاعة ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ* إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ* وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ } ، هو الملك ، هو المعبود ، هو الكريم الرزاق ، هو العليم الخلاق ، لا إله إلا هو سبحانه بيده خزائن السموات والأرض ، لا إله إلا الله ما عبدناه حق عبادته ، خيره إلينا نازل ، وشرنا إليه صاعد ، يعطي الكثير ، ويرضى بالقليل ، هو الغني ونحن الفقراء ، هو القوي ونحن الضعفاء ، هو القادر علينا ، ونحن لا نعجزه ، بل كما قال سبحانه : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً } ، وقال القوي المتين : { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } . أيها الأخوة في الله : إنه الله جل جلاله ، وتقدست أسماؤه ، وعظم كبرياؤه ، يرى ويسمع دبيب النملة السوداء ، على الصخرة الصماء ، في الليلة الظلماء ، لا يُهرب منه أبد ، ولا يختبئ منه أحد ، يمهل ولا يهمل ، يؤخر ولا يعجل ، { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً } ، { وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } ، إنه الله الحليم الجبار ، العزيز الغفار ، يعفو ويصفح ، ويغفر ويسمح ، يتوب على من تاب ، ويقبل من ندم وأناب ، ومن تمادى وبغى ، وتمرد وطغى ، فالله شديد العقاب ، قوي العذاب ، قال الملك التواب : { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ } ، ويقول عز وجل : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ } ، إنه الله الرقيب المهيمن ، عَنَتِ الوُجُوه لِنُور وَجْهه ، وعجِزت القلوب عن إدراك كُنْهِه ، ودَلَّت الفِطْرة والأدِلّة كُلّها على امْتِنَاع مِثله وشِبهه ، { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } ، أشْرَقَت لِنُور وَجْهه الظلمات ، واسْتَنَارَت له الأرض والسماوات ، وصَلحت عليه جميع المخلوقات ، إنه الله الحي القيوم ، لا يَنام ولا يَنبغي له أن يَنام ، إنه الله عالم الغيب والشهادة ، الحكم العدل ، لا يظلم مثقال ذرة ، { إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ، يَخفض القِسْط ويَرفعه ، يُرْفَع إليه عَمل الليل قَبل عَمل النهار ، وعَمَلُ النهار قبلَ عَمَلِ الليل ، حِجَابه النور ، لو كَشَفَه لأحْرَقَت سُبُحَات وَجْهه ما انتهى إليه بَصَره مِن خَلْقه ، فما لكم لا ترجون لله وقاراً ؟ إن مِن إجلال الله : تعظيم شعائر الله { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } ، فالصلاة والزكاة ، والصوم والحج ، وبر الوالدين والصدق ، والوفاء بالعهد والوعد ، وصلة الأرحام وأداء الأمانة وغيرها من الواجبات ، من تعظيم شعائر الله ، ألا وإن تَعظيم حُرُمات الله ، مِن إجلال الله { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ } ، فاحذروا الزنا والربا ، واللواط والسرقة ، وإياكم والكذب والغش والرشوة ، واحذرن أيتها المسلمات من التبرج والسفور ، وتقليد نساء الكفرة والفجور ، واجتنبوا كل المحرمات والمنهيات والمكروهات ، فذلكم وأيم الله من تعظيم حرمات الله ، اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام ، اغفر لنا ذنوبنا كلها ، أولها وآخرها ، دقها وجلها ، ما علمنا منه وما لم نعلم ، وما أنت أعلم به منا ، فضلاً منك ومناً ، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ومعصية ، فتوبوا إلى الله ، إنه يغفر الذنوب جميعاً . |
|