زائر زائر
| موضوع: أين المخلص المتعبد الخميس أغسطس 15, 2013 5:05 am | |
| الحمد لله الذي جعل الأعمار مواسم، يربح فيها ممتثل المراسم، ويخسر المضيع الحسير والحاسم. فهي موضوعة لبلوغ الأمل، ورفع الخلل. زائدة الأرباح لمن اتجر، مهلكة الأرواح لمن فجر، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وأكثر، والسيئة ترد المستقيم إلى حال. ([1])، أحمده سبحانه هل فضله وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا شبيه ولا مثيل وأشهد أن محمد بن عبد الله بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده وآله وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد : فيا عباد الله : اتقوا ربكم وأحسنوا العمل فيما بقي من شهركم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ([2]) أيها المؤمنون : نعيش عصرَ الشغل والتشاغل ،و زحمةَ الحياة ومشاغِلَها ومتاعِبَها , واخضرارها وزهوها ,وحرص النفس البشرية على متعها , وانغسماها في زخرفها ,و تحتاج هذه الأرواح التي بين جنبينا إلى غذاء روحي , وارتباط مع مولاها وخالقها , تحتاج إلى خلوة وانقطاع مع الخالق دون الخلق والدنيا الغرارة ،أُنسٌ بالرحمن، ومناجاةٌ للديان ،فيها اعترافٌ بالتقصير، ومنةٌ الستر من الستير الحييّ, فنبينا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم انقطع واختلى ليبين طريق الأنس والوصول ,والتلذذ بمناجاة الودود ,فكان يخلو بربه لتقوى روحه وتطيب نفسه ويطمئن قلبه , فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم( يعتكف العشر الأواخر من رمضان) ([3]). عبد الله: هاهو رصيدك الأخروي في مجال زيادة فما أنت فاعل , هل أنت مقدم على خلوة فيها ذكر للرحمن الرحيم، أيام قصيرة وقليلة ستنقضي , فيها سؤال للعزيز الحكيم فيها دمعة على خطيئة , قال ابن الجوزي رحمه الله:ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربه.ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل. ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور ([4]). عبد الله : إن الأعمال الجليلة الفاضلة في هذه الليالي المباركة التي ذهب ثلثها وبقي ثلثها عبادةٌ، تختص وتتمايز بها عن غيرها وهي الاعتكاف عن الخلائق والانقطاع للخالق, فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه فما بقي له هم سوى الله وما يرضيه عنه كما كان داود الطائي يقول في ليله: همك عطل على الهموم وحالف بيني وبين السهاد وشوقي إلى النظر إليك أوثق مني اللذات وحال بيني وبين الشهوات ([5]). عبد الله: الناس يرجعون بعد التراويح والقيام لبيوتهم وأهليهم ، والمتعتكف يعود ويرجع بفرح وسرور وأُنس لمعتكفه ؛ ليخلو بربه ،ويلتذ بمناجاته ، فالمعتكف ُ ترك البيت والأهل والفراش ؛ ليرتاح في بيت رب العزة والجلال فهنيئا له ويا أُنسه وسروره ،فالناس في حاجات العيد يتفكرون وهم في صلاتهم ، والمكتف يسرح بفكره في عظمة خالقه وقدرته ومغفرته،وسعة رحمته يشتاق إذا قرأ أو سمع (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفورٌ رحيم) ([6])، ويخاف إذا سمع( فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) ([7]). عبدالله: الآ تريد الدخول في ميدان المتسابقين والظفر برحمة الكريم الآ تريد أن يشملك مدح العظيم ( تتجافي جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما زرقانهم ينفقون ) ([8]), ألا تريد أن تكون محل نظر الرب وعَجْبِهِ كما جاء عن الصادق المصدوق " عجِبَ ربنا من رجلين: رجل فارش فراشه ولحافه من بين حبه وأهله قام إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي ..... " ([9]). عبد الله: يا من ذُنوبُهُ كثيرةٌ لا تُعدُ، ووجْهُ صحيفتِه بمخالفتِه قد اسود، كم ندعوك إلى الوصال وتأبى إلا الصدَ، أما الموتُ قد سعى نحوك وجد، ...، أأبقَىَ الشيبُ موضعاً للمزاح، لقد أغنى الصباح عن المصباح، وقام حرب المنون من غير سلاح، ..، لقد صاح لسان التحذير يا صاح يا صاح، وأنى بالفهم لمخمور غير صاح، لقد أسكرك الهوى سكراً شديداً لا يُزاح، وما تُفيق حتى يقولَ الموتُ: لا بَراح. عبد الله: يا رضيع الدنيا وقد آن فطامه، يا طالب الهوى وقد حان حِمَامه ([10]) .قال وهب بن منبه: إن لله مناديا ينادي كل ليلة: أبناء الخمسين: هلموا للحساب، أبناء الستين ماذا قدمتم وماذا أخرتم؟ أبناء السبعين عدوا أنفسكم في الموتى ([11]). عبدالله: قوافل رمضان حان رحيلها ، وبساطه سيُطوى عما قريب ، فجدد توبتك ، وثبت أوبتك ، وابك على أيام شهر خلة وأنت تقول سأتوب سأرجع ، ولكن رمضان أزف بالرواح ،فهل تصحو أم فؤادك غير صاحي عشية هم رمضان بالرواح كيف لا تجرى للمؤمن على فراق رمضان دموع وهو لا يدري هل بقي له في عمره إليه رجوع. كيف لا تجري دموع محبين رمضان على فراقه ، وشهر تكفير سيئاتهم وتكثير حسناتهم وأمنهم وأمانهم وسعادتهم قربة لوعة القلوب بفراقه وبُعده وبيْنهِ . أتراه يرحلُ حامدا صنيعكم أو ذاماً تضييعكم؟ ما كان أعظم بركات ساعاته، وما كان أحلى جميع طاعاته، كانت ليالي عتقٍ ومباهاةٍ، وأوقاتَه أوقاتُ خدمٌ ومناجاة، ونهاره زمان قربة ومصافاة، وساعاته أحيان اجتهاد ومعاناة، فبادروا البقية بالتقية قبل فوات البر ونزول البرية وتخلى عنك جميع البرية. أين المخلص المتعبد، أين الراهب المتزهد، أين المنقطع المتفرد، أين العامل المجود، هيهات بقي عبد الدنيا ومات السيد، وهلك من خطؤه خطأ وعاش المتعمد، وصار مكان الخاشعين كل منافق متمرد، رحل عنك شهر الصيام، وودعك زمان القيام، ولحّ ([12]) النصيحُ وقد لامَ، أفتشرقُ شمسُ الإيقاظِ وتنامُ، فاستدرك ما قد بقي من الأيام، قد رأيتك توانيت في الأولى والثانية والثالثة فما بعد أن دنا الصباح ([13]). عبد الله : أتبع الحسنة الحسنة وإياك والسيئة والرجوع إلى سالف عهدك ولا تنقض كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً , وضع نصب عينيك إنما يتقبل الله من المتقين , فبالله من المقبول فنهيه ومن المحروم فنعزيه . كان عبد الرحمن بن الأسود يحيي ليلة الفطر ويقول: هي ليلة غفلة ([14]). عبدالله: إياك أن تحلق حسناتك ليلة العيد ، استمر في الطاعة والتوحيد، وجدّ في ذكر ربِ العبيد ، وأخرج زكاةَ فطرك صاع من بر أو تمر أو شعير أو زبيب من قوت بلدك قبل العيد بيوم أو يومين ولا يجوز أن تُؤخرها بعد صلاة العيد ؛لتكون موافقا لهدي أفضل العبيد.
|
|