الحمدُ للهِ المبدئِ المعيدِ ، الفعالِ لما يريدُ ، ذي العرشِ المجيدِ ، والبطشِ الشديدِ ، وأشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ،وأشهدُ أن سيدَنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، صلى اللهُ وسلم عليه ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الوعيدِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَائلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) .. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أمَّا بعدُ :أيها الأخوةُ في الله:يقولُ المولى جلَّ وعلا ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) فحريٌّ بالمسلمِ ، أيُّها الأحبة أن يتفكرَ في عظيمِ مخلوقاتِ الله ، وأن يَستَحضِرَ عظمةَ الخَالقِ سبحانه ، الّذي يُدبِّر ويَأمُرُ ويَنهى، ويَخلقُ ويرزُق، ويُحيِي ويُميت ، ويُداوِلُ الأيّامَ بين النّاسِ سُبحانَه (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) لأنَّ النَّاسَ كما قال بشرُ الحافي رحمه الله ، لو تفكرَ الناسُ في عظمةِ مَخلوقاتِ اللهِ ،لما عَصُوهُ ! وذلك لأن التفكرَ في عجائبِ الخلقِ وأسرارِهِ ، يُثمرُ تعظيمُ الخالِقِ سُبحانه ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً ) وقد قال تعالى (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض) وقال جل في علاهُ (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) فالإنسانُ إذا نظرَ إلى هذه المخُلوقاتِ ، بعينِ البصيرةِ ، دلَّهُ ذلك ، على الخالِقِ وعلى عظمتِهِ ، ولذالك لمَّا سُأل الأعرابي وهوَ في الصحرارء ، ما الدليل على وجود الصَّانِع؟ قالَ ثكلتكَ اُمُّكَ إن البعرةَ تدلُّ على البعيرِ،وأثرُ الاقدامِ يدلُّ على المسيرِ، أفسماءٌ ذاتُ أبراج ، وأرضٌ ذاتُ فجاج ، وبَحَارٌ ذاتُ أمواج ، إلاَ تدلُّ على اللطيفِ الخبيرِ ، يقولُ بن القيمِ رحمهُ الله تعالى في كتابهِ ، مِفتَاحُ دار السعادة ، وهوَ يَتحَدّثُ عن الأرض ، يقولُ رحمه الله ، وإذا نَظرتَ إلى الأرضِ وكيفَ خُلِقَت ، رأيتَها من أعظمِ آياتِ فَاطرِها وبَديعها ، خَلقَها سُبحانَهُ فِراشَاً ومِهَاداً ، وذلَّلَهَا لِعبَادِهِ ، وجعلَ فيها أرزاقَهم ، وجعَلَ فيها السُبُل لينتَقِلوا فيها ، في حوائِجهم وتَصرُفاتِهم ، وأرساها في الجِبَالِ ، فجَعَلهَا أوتاداً ، تَحفظُهَا لئلاَّ تَميدَ بِهم ، ووسَّعَ أكنافَها ودَحَاها ، فَمَدَّها وبسَطهَا ، وطَحَاهَا فوسَّعَها ، مِن جَوانِبِهَا ، وجعلها كِفَاتاً لِلأَحياءِ ، تضمُّهُم على ظَهرِهَا مَادَامُوا أحياءً ، وكِفاتاً لِلأَموات تضمُّهُم في بطنها إذا ماتوا ، فَظَهْرُهَا وطَنٌ لِلأَحياءِ ، وبَطْنُها وطَنٌ لِلأَموات ، وقَد أكثَرَ تعالى من ذَكرِ الأَرضِ في كِتَابِه ، ودَعَا عِبَادَهُ إلى النَّظرِ إليهَا ، والتَّفَكُّر في خَلقِهَا ، فقال تعالى (وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ) (الذريات:4 _وقالَ تعالى (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً) (غافر:64) وقال تعالى (الذي جَعَلَ لكُم الأرضَ فِراشًا) [ البقره 22 ] وقال تعالى ( أفَلا يَنظُرونَ إِلى الإِبلِ كيفَ خُلِقَت وإلى السَّماءِ كيفَ رُفِعَتْ وإلى الجبالِ كيفَ نُصِبَت وإلى الأرضِ سُطِحَت ) وقال تعالى ( إنَّ في السَّمواتِ والأرضِ لآياتٍ للمؤمنين)[ الجاثيه 3 ]وهذا كثيرٌ في القرآنِ . فانظُر إِليهَا ، وهيَ مَيِّتَةٌ هامِدةٌ خاشِعةٌ ، فإَذا أنزلَ عليها الماءَ اهتزَّت فَتَحَرَّكت ، وَرَبَتْ فارتَفَعت ، واخْضَرَّت وأنْبَتَت من كَلِّ زَوجٍ بهِيج ، فأَخرجَت عَجَائِبِ النَّباتِ ، في المنظَرِ والمَخْبَرِ ، بهيجٍ للنَّاظِرين ، كريمٌ لِلمُتَنَاوِلِينَ ، فأخرَجَت الأقواتَ على اخْتِلاَفِهَا ، وتبايُنِ مقادِيرها ، وأشكالِها ، وألوانِهَا ، ومنافِعَها ، والفواكهَ والثِّمارَ ، وأنواعَ الأدويةِ ، ومَرَاعي الدَّواب والطَّير . ثُمَّ انظر إلى قِطَعِهَا المتَجَاوِرات ، وكيفَ يُنزِلُ عليها ماءٌ واحِدٌ ، فَتُنْبِتُ الأَزواجَ المُختلفَةَ ، المُتَباينَةَََ في اللَّونِ والشَّكل والرَّائِحةِ والطَّعمِ والمنفعَةِ....، واللِّقاحُ واحدٌ !!!، والأُّمُ واحدَةٌ !!!، كما قال تعالى (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الرعد:4) فكيفَ كانت هَذِهِ الأَجِنَّةُ المختَلِفَةُ ، مُوَدَعَةً في بطنِ هذهَ الأُمِّ ؟ وكيفَ كانَ حَمْلُهَا من لِقَاحٍ واحدٍ ؟ صُنعَ اللَّهِ الَّذي أتقّنَ كُلَّ شيئٍ ، لاَ إِلَهَ إلأَّ هو. ولوْلاَ أّنَّ هذا من أعظَمِ آياتِهِ ، لَمَا نَبَّهَا عليهِ عِبَادَهُ ، ودَعَاهُم إلى التَّفَكُّرِ فيه، قال سُبحانَه ( وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) ثمَّ انظُرْهُ جَلَّ في عُلاه ،كَيفَ أَحْكَمَ جَوانِبَ الأَرضِ ، بِالجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ ، الشَّوَامِخِ الصُّمِ الصِّلاَبِ ؟ وكيفَ نصَبَها فَأحسَنَ نَصْبَها ؟ وكيفَ رَفَعَها ، وجَعَلهَا أصْلَبَ أجزاءِ الأَرضِ ، لِئَلاَّ تَضْمَحِلَّ على تَطاولِ السِّنين ، وتَرادُفِ الأَمطارِ والرِّيَاحِ ، بل أتقَنَ صُنْعَهَا وأحكمَ وضعهَا ، وأَوْدَعَها من المَنَافِعِ والمَعَادِنِ والعيُونِ مَا أودَعَها ، ثُم َّ هَدَى النَّاس إلى إستِخرَاجِ تِلكَ المَعَادِنِ منها ، وأَلْهَمَهُم كيفَ يَصنعُونَ منها النُّقود ، والحُليَّ والزِّينةَ والِّلباسَ والسِّلاَحَ ، وآلاتِ المَعَاشِ على اختِلاَفِهَا، ولولاَ هِدايتَهُ سُبحَانهُ لهم إلى ذلِكَ ، لَمَا كانَ لَهم عِلمُ شيْئٍ منهُ ، ولاَقُدْرَةٌ عليه..(فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
بارك الله لي ولكم في القرءانِ العظيم