الحمدُ للهِ الذي اهتدى بهديهِ ورحمتِهِ المهتدونَ ، وضلَّ بعدلِهِ وحكمتِهِ الضالونَ ،(لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) أشهدُ أن لا إلهَ إلا هووحدَهُ لا شريكَ له يعلمُ ما كانَ وما يكونُ. وما تسرونَ وما تعلنونَ. واشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ الصادقَ المأمونَ، صلى الله عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ الذين كانوا يهدونَ بالحقِّ وبهِ يعدلونَ. وسلم تسليما كثيراً إلى يومِ يُبعثُون.(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) أما بعدُ : أيُها الأخوةُ في اللهِ ، يقولُ اللهُ جل في عُلاه : (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) خلقَ اللهُ الخلقَ فأحصاهم عددًا ، وقَسَّمَ أرزاقَهم وأقواتَهم ، (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) يقولُ المصطفى e: { إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي أَنَّ نَفسًا لَن تموتَ حتى تَستَكمِلَ أَجَلَهَا وَتَستَوعِبَ رِزقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا في الطَّلَبِ، وَلا يحمِلَنَّ أَحَدَكُمُ استِبطَاءُ الرِّزقِ أَنْ يَطلُبَهُ بِمَعصِيَةِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ تعالى لا يُنَالُ مَا عِندَهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ}، ويقولُ عليه السلامُ: {إِنَّ الرِّزقَ لَيَطلُبُ العَبدَ كَمَا يَطلُبُهُ أَجلُهُ } وعن ابنِ عُمَرَ رضي اللهُ عنهُما أَنَّ النبيَّ e رَأَى تمرَةً عَائِرَةً فَأَخَذَهَا فَنَاوَلَهَا سَائِلاً، فَقَال:{أَمَا إِنَّكَ لَو لم تَأتِهَا لأَتَتْكَ} فما رَفعتَ يا عبداللهِ كَفَّ طعامٍ إلى فَمِكَ ، إلاَّ وقد كتبَ اللهُ لكَ هذا الطعامَ ، قبلَ أن يَخلُقَ السمواتِ والأرضَ ، سُبحانَهُ وبِحمدِهِ ،يَقُولُ عليه الصلاةُ و السلامُ كما عند مسلم من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي اللهُ عنهما{ كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلاَئِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ - قَالَ - وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ }فَسُبحانَ من رَزَقَ الطيرَ في الهواءِ ، والسَّمكةَ في الماءِ ، وسُبحانَ من رزقَ الحيَّةَ في العَرَاءِ ، والدودَ في الصّخرةِ الصمَّاءِ ، سبحانَ من لا تخفى عليهِ الخوافي ، فهو المتكفلُ بالأرزاقِ ، يقولُ سُبحانه (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) سُبحان ذِي العزةِ والجلالِ ، مُصَرّفِ الشؤونِ والأحوالِ ، إذا أرادَ بالعبدِ خيرًا رَزَقهُ وباركَ له في رزقِهِ ، وكتبَ له الخيرَ فيما أولاهُ من النِّعَمِ , فالبركةُ في الأموالِ ، والبركةُ في العيالِ ، والبركةُ في الشؤونِ والأحوالِ ، نِعَمٌ من اللهِ وحدَهُ ، فمَا فَتحََ من أبوابِها ، فلا يُغلِقُهُ أحدٌ سواهُ ، ومَا أَغلقَ ، فلا يَستَطِيعُ أحدٌ أن يفتحَهُ سواهُ. إنَّها البركةُ ، التي يَصيرُ بها القليلُ كثيرًا، فكم من قليلٍ كثرَّهُ اللهُ ، وكم من صَغيرٍ كبَّرَهُ اللهُ , وإذا أرادَ اللهُ أن يُباركَ للعبدِ في مالِهِ ، هيأَ له الأسبابَ ، وفتحَ في وجهِهِ الأبوابَ ، ومِنْ أعظمِ الأسبابِ التي تُفتَحُ بها أبوابُ الرزقِ والبركةِ ، تقوى الله ، يقولُ جلَّ في عُلاه ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)ويقولُ سُبحانه (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ومن الأسبابِ التي يفتحُ اللهُ بها أبوابَ الرزقِ على العبادِ ، الدُّعاءُ والالتجاءُ إلى فاطرِ الأرضِ والسّماءِ ، فهو الملاذُ ، وهو المعاذُ, فإن ضَاقَ عليكَ رِزقُكَ ، وعَظُمَ عليكَ همُّكَ وغمُّكَ ، وكَثُرَ عليكَ دَينُكَ ، فاقرعْ بابَ الكريمِ سُبحانَهُ ، الذي لا يَخيبُ قارعُهُ ،يقولُ جلَّ في عُلاه (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) فَهُوَ سُبحَانَهُ الكريمُ الجوادُ ، يقولُ سُبحانَهُ في الحديثِ القُدُسي { يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ } ويَقولُ المصطفى e: { إِنَّ يمينَ اللهِ مَلأَى لا يَغِيضُها نَفَقَةٌ، سَحَّاءَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيتُم مَا أَنفَقَ مُنذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ؟! فَإِنَّهُ لم يَنقُصْ مَا في يمينِهِ} أللهُ أكبر: ما وقفَ أحدٌ ببابِهِ فَنَحَّاهُ، ولا رَجاهُ عبدٌ فخيبَ رَجَاهُ ، يَقولُ المصطفى e: { إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الْعَبْدُ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا لا شَيْءَ فِيهِمَا} "ودخلَ عليِهِ الصلاةُ والسلامُ يومًا في مسجدِه المباركِ ، فَنَظرَ إلى أحدِ أصحابِهِ ، فَرأَى فيه علاماتِ الهمِّ والغمِّ ، رآهُ جَالِسًا في الْمَسجدِ ، في ساعةٍ ليستْ بساعةِ صَلاةٍ ، فَدَنى منه الحليمُ الرحيمُ ، صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ ـ وكانَ لأصحابِهِ ، أبرَّ وأكرمَ من الأبِ لأبنائِهِ فقالَ:e{ يا أبا أُمَامةَ ! مَا الَّذي أجلسَكَ في المسجدِ في هذه الساعةِ؟} قال: يا رسولَ اللهِ، هُمومٌ أصابتْني وديونٌ غَلبتْني ـ أَصَابني الهمُّ وغلبني الدَّينُ ، الَّذي هُو هَمُّ الليلِ وذُلُّ النهارِ ـ فقالَ e: {ألا أعلِّمُكَ كلماتٍ إذا قُلتَهنَّ أذهبَ اللهُ همَّكَ وقضى دينَكَ ؟} قال: بلى يا رسولَ اللهِ، قالَ: {قل إذا أصبحتَ وأمسيتَ ، اللهم إني أعوذُ بِكَ من الهمِّ والحزنِ، وأعوذُ بكَ من العجزِ والكسلِ، وأعوذُ بِكَ من الجبنِ والبخلِ، وأعوذُ بِكَ من غَلبةِ الدينِ وقهرِ الرجالِ} قال وأرضاه: فَقُلتُهُنَّ فأذهبَ اللهُ همي ، وقَضَى دَيني ، صلّى عليك الله يا علمَ الهُدى ، مَا تركَتَ بابَ خَيرٍ ، إلاَّ ودلَّيتنا عليهِ, ولا سبيلَ هدىً ورشدٍ ، إلا أرشدَتَنا إليهِ ، فجزاكَ اللهُ عنا خيرَ ما جزى نبيًا عن أمتِهِ ، اللهم باركْ لنا في القرآنِ العظيمِ وانفعْنا بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ.أقولُ قولي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم فستغفروه يغفر لكم إنَّه هو الغفورُ الرحيم